المرحاكة لمن لا يعرفونها حجر مُقَعَّر كانت النساء يطحنَّ به الذرة والقمح والدخن، يؤتى بهذا الحجر ويوضع ما يراد طحنه عليه ثم يطحن بحجر صغير اسمه (ود المرحاكة)، فالمرحاكة هي طاحونة أهلنا إلى وقت قريب وابنها الحجر المُكَمِّل لها. تقول الأسطورة: كان (ود المرحاكة) يعمل بطوعه وإرادته ولا يحتاج لمن (يحركه) حتى جاء ذاك اليوم الذي حدث فيه هذا التحول! بينما كانت إحدى العروسات ترفل في الدمقس وفي الحرير وليس لها عمل تؤديه، قررت أن تساعد (ود المرحاكة)، فأوقفته عن عمله ثم قامت بتحريكه بهذه الطريقة الحالية، ومن وقتها ولم يتحرك بنفسه وأصبح في حاجة لمن يحركه!. القصة تشبه ما انتاب كوادر الحركة الاسلامية و(توابعها)، فقد كان الإسلاميون أكثر الناس اجتهاداً في العمل الطوعي وأكثرهم تفانياً فيه، وكانوا يبذلون المثال في هذه الناحية، وظل التاريخ يسجل لبعضهم مواقف أسطورية في الإيثار والتضحية، وكانوا مصدر ثقة المجتمع وملاذ الناجين من جوره وحيفه! كان الإسلاميون نموذجاً للأمانة وللعفة وللنقاء، ولذلك فشلت كل محاولات تشويه صورتهم التي قصدها أعداؤهم بتصويرهم (منافقين) و(تجار دين) وغير تلك من الأوصاف الظالمة، وكانوا نموذجاً للاعتدال فلم يستطع أعداؤهم قفل الطريق أمامهم برميهم بالتزمت أو التعصب، وكانوا قيادات في كل حقل، ولذا لم تنجح دعاية الشيوعيين في رميهم بالتخلف أو الرجعية! ما يُرى الآن ليس هو الصورة المثلى عن الاسلاميين وليس ما عرف عن هذه الحركة! منيت الحركة الاسلامية بمشكلات فتتتها وكسرت شوكتها، فأصبح فيها الغرباء، انتماءً وسلوكاً، هم المقربين فعلاً وقيادة، وأصبح أنموذج القيادي ليس كما تواثق عليه السابقون من مدرسة: (الله غايتنا والرسول قدوتنا )، وأصبحت الممارسة السياسية فيها لا تُفَرِّق بين ما يريده الدين وما تريده الدنيا، واتخذ الناس فيها مبررات وتسويقات وسفسطات، وجعلوها فقهاً ليقودوا به من تبقى فيها من أهل الخير، وصار الناس يرمونها بكل الموبقات، ولا أحد يجرؤ على الدفاع عنها، ويقولون فيها ما لم يقله مالك في الخمر ولا أحد يستطيع نفيه، واختلط الحابل بالنابل وضاع الجمل بما حمل! تري ماهو السبب؟ الأسباب كثيرة واللجان التي انعقدت وانفضت لدراستها تكفي لإدارة المستعمرات البريطانية على عهد الملكة فكتوريا، لكن لجنة واحدة لم تستطع القول بأن زمان الغثاء قد بدأ، فقد نزع الله من قلوب أعدائنا مهابتنا وقذف في قلوبنا الوهن، أتدرون ما الوهن؟، إنه كما خبر عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم حب الدنيا وكراهية الموت! قلت لصاحبي: كلما أتذكر تطوع الإسلاميين وسهرهم في زمان ما قبل الثورة وفي زمن طويل من عهدها، وبذلهم وعطاءهم بلا مقابل، وأقارنه بما يبذل من جهود وأموال اليوم ومحصلته الماثلة، أقول: البركة اتنَزَعت! قال: والله بقى عليهم البقى على ود المرحاكة، الدولة جات تساعدهم وقفوا مرة واحدة وأصبحوا لا يتحركون ولا ينفعلون بشيء، الوقفة الياها!.