فضائح برامج التجسس الأميركية العابرة للقارات أسقطت ورقة التوت عن حقيقة يعلمها الجميع.. نعم الولاياتالمتحدة تتجسس على العالم. لكن مهلا!!.. ما من أحد كان يتوقع ان تكون بالصلافة التي كشفت عنها الوثائق المنسوبة لإدوارد سنودن المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي. منذ أحداث سبتمبر والأخبار تتواتر عن الاستراتيجية الأميركية لمنع حدوث هجمات مماثلة بشتى الوسائل ومنها مراقبة الاتصالات، وفي ذلك تعاونت دول العالم مع الولاياتالمتحدة عبر تسهيل الولوج لمعطياتها الرقمية بهدف تعقب إرهابيين محتملين. بيد أن الكشف عن مراقبة اتصالات المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل من بين 35 زعيما عالميا تطال أحاديثهم العامة والخاصة آذان وكالة الأمن القومي , طرح سؤالا عميقا : ما الذي تطمح إليه الولاياتالمتحدة من وراء التنصت على اتصالات زعماء العالم وما حجم الاستفادة، ثم ما علاقة ذلك بالأهداف الأميركية المعلنة لبرامج التجسس ؟! ... أيا تكن الأسباب والمسوغات، فالثقة التي حكمت علاقة الولاياتالمتحدة بحلفائها عبر الأطلسي اهتزت بحسب توصيف المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل خلالها اتصالها بالرئيس الأميركي باراك أوباما. نعم، اهتزت. ذلك أن المساحة الواسعة لحدود التدخل الأميركي الأمني في أنظمة الاتصالات الأوربية بل والعالمية تم استغلالها لمآرب أخرى تجاوزت كل أعراف التعاون الثنائي بين دول تؤكد في الأصل على القيم الإنسانية المشتركة بين أنظمتها قبل أن تكون جزءا من محور سياسي عالمي هو " الغرب". وإذا كانت الحالة هذه بين الأصدقاء الحلفاء، فماذا عن دول الجنوب التي طالتها من برامج التنصت جوانب أوسع نطاقا ربما وأكثر تدفقا! نعم، أميركا تتجسس عليكم وعلى الجميع.. مواطنين ومسؤولين وزعماء عبر رصد كل رسالة أو اتصال أو صورة ...شاردة و واردة من ذات " النوع" الذي تجمع به الدول الأخرى معلوماتها الاستخباراتية بحسب الكلمة التي استعملتها الإدارة الأميركية في تبرير ما حدث. لكن "النوع" الذي تتحدث عنه الإدارة قد لا يبرر ربما " الكم" الهائل لسجلات العالم الهاتفية والإلكترونية التي تخزنها وكالة الأمن القومي! قبل أشهر قليلة, أقامت الولاياتالمتحدة الدنيا وهي تسوق اتهامات للصين بقرصنة واشنطن بدءا بأروقة صنع القرار – البيت الأبيض والكونغرس - إلى مراكز الأبحاث مرورا بكل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية فيها. بعد تسريبات سنودن، خفت حدة الاتهامات الأميركية ليتم الكشف بعد ذلك استنادا إلى ذات التسريبات أن وكالة الأمن القومي قامت بمسح الصين عن بكرة أبيها تجسسا في طول البلاد وعرضها. الأكيد أن تداعيات أزمة التجسس العابرة للقارات ستخضع للكثير من القيود من الآن فصاعدا في ظل ضغوط داخلية للحد منها ومطالبات خارجية لمزيد من الشفافية في العلاقات الأميركية مع حلفائها. وعلى الرغم من ضغوط هؤلاء ومطالبات أولئك، لم تتردد الإدارة الأميركية في التأكيد على مشروعية هذه البرامج من خلال ثنائية التجسس مقابل الأمن. لا وبل بشر المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني بعهد جديد "في هذا المجال " بالنظر إلى الفورة المتصاعدة في عالم الاتصالات. محمد الأحمد مراسل قناة (أسكاي نيوز) في واشنطن