التاكا حديد كلمة التاكا في لغة البجا تعني الشموخ والرفعة ومدينة كسلا اسمها في كتب التاريخ القديم "مدينة التاكا" وجبال التاكا هي التي استظل بمروجها وديانها السادة المراغنة لذلك ما إن تذكر عبارة التاكا حتى تتقافز الى الأذهان كلمة الميرغني لكأنهما اسمان لمعنى واحد. والى السادة المراغنة يرجع فضل نشر الفكر الاسلامي في شرق السودان واريتريا. المراغنة حماة كسلا الذين سكبوا العرق والدماء من أجل قيادة الحياة الاجتماعية والسياسية منذ قرون ونادي التاكا الرياضى بكسلا هو واحد من ركائز العمل الرياضى التي أسسها أحد أفراد المراغنة. وقد ورد في الأثر الشريف عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله"علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل" وهي ليست لهوا وهدرا للوقت ولقد تشامخ نادي التاكا بكسلا وهو يسمو لاعلاء وتربية النشء وإعداد الكوادر حتى استطاع أن يقود الحياة الاجتماعية والثقافية بالمدينة. الرياضة منشط عالمي لا يحده حدود ولا قبلية وانما هو مجال لإبداع الفرد كالفن والذي يجتاز الحدود بالابداعات والتسامي فوق القبليات. وكان نادي التاكا منذ انشائه صرحا يعمل تحت قبته كل أبناء كسلا وابناء السودان بمختلف تكويناتهم السياسية والعرقية فكان رؤساء اداراتها قامات من الغرب ومن الشمال ومن الشرق لقد اختارني هذا التجمع من مشجعي نادي التاكا أن اكون رئيسا لهذه المؤسسة العملاقة عام 1983م فكانت نقطة تحول في حياتي الاجتماعية استطعت أن الج عبرها في بحر زاخر من المعارف كانت انطلاقة جديدة اضفتها لمساري السياسى والعلائقي ومجتمعات الرياضة "دول" قائمة بذاتها ومدارس تعج بالاخلاص والامشاج تتلاقح في ميادينها الافكار انها تجمع لكل التشكيلات السياسية والفكرية في نسق "اجتماعي" فالعلاقات الاجتماعية أقوى من العلاقات السياسية. ولقد ظللت ابحر في هذه اللجج المتلاطمة من المعارف والعلاقات الجديدة حتى تسلحت واستفدت كثيرا بمعرفة الرجال وفي زيارتي الاخيرة لمدينة كسلا دعاني الأخ سعد عمر "قرينات" وهو قطب كبير وعاشق لنادي التاكا لدرجة "الوله". دعاني لأزور النادي في إحدى الامسيات لأقف على نشاطه واتعرف على ادارته فقبلت الدعوة ولكن لظروف اجتماعية طارئة لم اتمكن من الإيفاء بذلك الوعد ولم اجد رقم "هاتف" للاعتذار ولا يعفينى ذلك من اللوم وهو عذر اقبح من الذنب وسافرت عائدا الى الخرطوم وبينى وبين أهل التاكا شجون عالقة في القلب. لقد تم اختياري رئيسا لنادي التاكا مرتين 1983م- 1993م في تلك الفترة كانت لعبة كرة القدم مزدهرة في كسلا وفي السودان وفي قمة مجدها وفي فترة رئاستي الاولى كنت قياديا في حكومة الاقليم الشرقي "أيام مايو" وكان حاكم الاقليم آنذاك حامد علي شاش والرجل رياضي مطبوع ولاعب كرة ماهر بهلال السودان في بدايات حياته لذلك كان يسهم في العمل الرياضي ويداوم على حضور المباريات ويبدى رأيه في "الفنيات". ولما كانت مؤسسة التاكا ذات رسالة متنوعة فاخترت الى جانبي ادارات من شباب التاكا وادارات من قيادات العمل التنفيذى في مجلس الأمناء لأن الحمل كان ثقيلا، كانت "الكرة كرة" واداة لجذب المشجعين والتشجيع كان يهز اركان دور الرياضة وكانت الادارات على مستوى فكري ورياضى عالٍ لقد تزامنت رئاستي لنادي التاكا مع رؤساء عمالقة في الاندية المنافسة، كان العمدة بابكر أحمد جعفر عمدة كسلا رئيسا لنادي الميرغني الصديق اللدود لنادي التاكا وكان رئيس نادي حي العرب ببورتسودان الرجل الفنان ابراهيم عبده وكان على قيادة نادي الهلال ببورتسودان المنافس التقليدي لحي العرب الاداري المرموق محمد علي كير اساطين من الادارات كنت اعتز بعلاقتي بهم والتعرف على أشخاصهم والإلمام بتجاربهم، وعلى أيام رئاستى بنادي التاكا كانت دار الرياضة تزدحم بالمشجعين وتمتلئ جوانبها بعشاق كرة القدم ليستمتعوا بالإبداع والفنون والبذل الجسماني الراقي ولعبة كرة القدم فن وإبداع وليست ركلا وهرولة وكانت تحكي عن ذكاء اللاعب ومقدرات جسمانه المطاوع "يوسف الأمين" من التاكا وآدم كوتة الساحر وعماد والسد من التاكا أيضا والمعجزة كجر من الميرغني الذي كان يتلاعب بالألباب وهو يستلم الكرة وهو يمر وعاطف بيرنفي قائد فرقة الميرغني وهو يأمر وينهى زملاءه اللاعبين داخل الميدان. وجمهور كسلا جمهور ملهم وذواق ومحب لكرة القدم ويتبدى ذلك في تزاحم الآلاف من المشجعين صوب دار الرياضة لمنح اللعبة ألقها والتشجيع الحار واحد من أسباب ازدهار الكرة وإشعال الحماس تزدان اللعبة أيضا بالحكم الفنان والذي يحكم بالعدل والشخصية القوية والذي يتابع الكرة كالنحلة بهمة ونشاط كأنه هو واحد من اللاعبين. لقد كنت مفتونا بتحيكم الحكم صلاح الملقب بأبو دبوس مع احترامي للحكام الآخرين وهو ينهي ويأمر ويصرخ في وجه اللاعبين قائلا "ألعب" وكان تحكيمه يتسم بالعدل الذي يرضى الخصمين وكانت حركته تتناغم مع الحركة الجماعية، الكرة الراقية والتشجيع الذي يهز أركان دار الرياضة كانت أياما أتمنى أن تكرر "ولن تتكرر" بالإضافة للكرة الحلوة والتشجيع الجماعي والتحكيم العادل كانت هناك شريحة أخرى تضفي الجمال على ميادين الملاعب وتجلب الحبور وهي شريحة أقطاب المشجعين "سلطان" من القاش الذي لا يعرف الغضب سبيلا إلى نفسه "أب أحمد" من أهل كسلا أحمد الحاج من المريخ "الفاتح السد" وجلال الرباطابي "من التاكا هذه الشريحة كانت من أسباب تدافع الكثيرين لدخول دار الرياضة للاستماع إلى تعليقاتهم اللماحة والذكية والتي تبعث السعادة في النفوس دون أن يجرحوا أحدا ولا يسيئوا لآخر. رحم الله الذين سبقونا إلى الدار الآخرة وأطال عمر الأحياء منهم، إنهم كانوا فاكهة الملاعب وحلاوة المدارج وطلاوتها. أقول للإخوة في إدارة نادي التاكا إنكم تعملون في ظروف قاسية واستثنائية لا مال عند المشجع ومكاتب الدولة الرياضية لافتات لا تملك المال وينطبق على إدارتكم قول الشاعر ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له* إياك إياك أن تبتل بالماء وفي خاتمة المطاف أهدى تحياتى وحبي للإخوة في نادي التاكا وأقدر مشاعرهم النبيلة نحوي وأكرر أسفي للظروف التي لم تمكننى من اللقاء بالأصدقاء والأحباب آملا أن أجد السانحة قريبا لزيارة تلك المؤسسة التربوية المهمة لأسهم برأيي وملاحظاتي لدعم مسيرتها حتى تعود لها عافيتها وقوتها وإلى ذلك الحين أردد مع الشاعر العربي المبدع أبو الطيب المتنبئ لا خيل عندي اهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم يسعد الحال