جدد الرئيس أوباما قرار المقاطعة فماذا نحن فاعلون؟ د/ عادل عبد العزيز الفكي هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته على الرغم من مناشدات المجتمع المدني السوداني قام الرئيس أوباما بتجديد قرار الحظر الاقتصادي الأمريكي على السودان. فُرض الحظر أول مرة في العام 1997 بواسطة الرئيس كلينتون، واستمر يجدد سنوياً في أول نوفمبر من كل عام بواسطة الرؤساء الأمريكيين المتعاقبين. تقول الولاياتالمتحدة إنها تفرض الحظر بسبب سلوك الحكومة السودانية المهدد للأمن والسياسة الأمريكية الخارجية، وهو ما تكذبه الوقائع دون أدنى شك وباعتراف الأجهزة الأمريكية الرسمية التي تشيد دائماً بتعاون حكومة السودان فيما يتعلق بمكافحة الارهاب. غالبية المراقبين يشيرون الى أن الأمر سياسي متعلق بعدم رضا الولاياتالمتحدة عن مجمل توجهات النظام السوداني، وعلى تبنيه للإسلام السياسي على وجه الخصوص. لقد جاءت مناشدات المجتمع المدني السوداني للرئيس الامريكي بعدم تجديد قرار الحظر لأن ما يفرضه الحظر هو عقوبات غير ذكية لا تؤثر على النظام الحاكم بصورة كبيرة ولكنها تؤثر على عامة المواطنين من حيث زيادة إفقارهم، وتعرضهم للموت في حوادث الطائرات الامريكية المفتقدة للاسبيرات بسبب الحظر...وغيرها من المنغصات على عامة المواطنين. إن قرار الحظر أصبح واقعاً فما العمل؟ لا بد من استراتيجية ترتكز على أساس البحث عن شركاء يكونون من القوة بحيث لا يمثل حرمانهم من سوق المال الامريكي الضخم مشكلة كبيرة بالنسبة لهم، أو على الأقل هي مشكلة يمكنهم التعامل معها أو الالتفاف حولها بمقدار ما تأتيهم من مصلحة من قبل السودان. هؤلاء الشركاء نوعان: الأول دول ما يسمى ب (BRICS) وهي على الترتيب حسب التسمية: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا. هذه الاقتصادات الناشئة لها فوائض مالية ضخمة ورغبة كبيرة في الاستثمار في الموارد الاولية لتغطية حاجاتها الزائدة في الطاقة والغذاء والمعادن الرئيسية. وهي تخطط لنظام اقتصادي عالمي جديد بديل لنظام مؤسسات برايتون وودز (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وأشقاؤهما) الذي تسيطر عليه الولاياتالمتحدة. عليه من مصلحة السودان حالياً التعامل مع هذه الدول، إما مع الشركات التابعة للصناديق السيادية لهذه الدول، أو الشركات الأخرى التي تتلقى تمويلها من المؤسسات المالية التابعة لهذه الدول مثل الشركات الصينية التي تمول من بنك الاستيراد والتصدير الصيني وليس من أسواق المال الامريكية. نجح السودان نسبياً في جذب مجموعة من هذه الشركات مثل CNPC الصينية في مجال النفط، وبروم الروسية في مجال المعادن، و INPC الهندية في مجال النفط، وبتروناس الماليزية في مجال النفط ايضاً من خارج مجموعة BRICS. النوع الثاني من الشركاء الذين يمكن أن يعتمد عليهم السودان هي الدول الاسلامية والعربية ذات الفوائض المالية الكبيرة، مثل المملكة العربية السعودية، تركيا، الكويت، الامارات العربية المتحدة، وقطر. صحيح أن التأثير السياسي والارتباط الاقتصادي لهذه الدول مع الولاياتالمتحدة لا يستهان به، وهي اقتصادات أقل في حجمها من اقتصادات مجموعة (BRICS) الا أن التعويل هنا يكون على احتياجات الأمن الغذائي لهذه الدول من جهة، ولرغبتها في الاستثمار في الاقتصاد الحقيقي بعدما فقدت مليارات الدولارات بالاستثمار في الأوراق المالية وسندات الرهن العقاري الأمريكية والغربية. نجح السودان في جذب تمويلات للبنية التحتية من الصناديق السيادية الكويتية والسعودية والاماراتية. ولكن تجربته في اجتذاب استثمارات شركات تابعة لهذه الدول كانت محبطة لحد كبير مثل الاستثمار التركي في مجال الانشاءات والاستثمار الذي توقف بسبب الخلل في النظام الضريبي عندنا، والاستثمار السعودي في الزراعة الذي يواجه صعوبات في تملك الأراضي. إن المقاطعة الاقتصادية الامريكية للسودان، وما يتبعها من تدهور للاقتصاد السوداني، وزيادة معدلات الفقر، لا يمكن معالجتها الا باستثمارات ضخمة جداً من المجموعتين اللتين أشرت لهما، وكلا المجموعتين لن تأتيا للسودان بالصورة المطلوبة إلا في ظل إرادة سياسية قوية جداً تمنح الإعفاءات الجاذبة، والأراضي الخالية من النزاع، وتحارب الفساد.