مصر، كبيرتنا وحبيبتنا، دخلت في دوامة سياسية.. إعصار ولا أقوى.. بعد أن زالت عقدة الخوف من الحاكم الفرد - وأولاده، ثم ابتلاها الله بحكم (الجماعة).. فثارت (أو انقلبت) عليه، هو الآخر.. وأودعت الرئيسيْن في المحبس، في سابقة تاريخية لم نسمع بها من قبل.. وحال مصر كذلك، فإني أتنبأ برئيس ثالث ورابع ثم خامس، ينضمون لمحمد حسني ومحمد مرسي بسجن طُرة أو أيٍّ من سجون مصر الحصينة.. فيبدو أن بعض من يمسكون بزمام الأمور في مصر- أصحاب الدولة العميقة – لا زالوا على ضلالهم القديم.. إن أسوأ الساسة في كل بقاع العالم، هم الذين لا يتعلمون ولا يقرأون التاريخ ولا يسمعون (الصايحة)، ليموتوا موتة الضأن في أول تقاطع سياسي أو شعبي أو اقتصادي.. هو التمكين الذي يعمي الأبصار ويصم الآذان ويخرس ألسنة الحق.. تمكين الفرد من السلطة وتمكين الجماعة من حمايته.. هنا ينسى الجميع المبادئ والقيم والوطن (ذات نفسه) وينسون الشعب صاحب (الكيكة) التي بها يتلذذون.. ولا أغالي إن قلت إنّ بعضهم ينسى خالق الكون و(ساعة) الحساب.. إن أسوأ أنواع القوانين الوضعية، هي التي تُفَصّل على مقاسات بعينها، ثم يفاجأ المُشَرِّع بأن قانونه هذا (يليق) لبساً على نصف سكان البلاد.. حينها تجد المؤسسة الحاكمة أن فعلتها تلك قد رمتها هي في جزيرة معزولة لتصبح هي المسجونة، بينما يكون المستهدفون من القوانين (البليدة) هم الأحرار.. الآن بمصر، وبعد صدور قانون تنظيم التظاهر، هذا القانون الزلزال، بدأت كثير من الكيانات السياسية الهشة في التصدع والانهيار.. فأبسط سياسي بمصر (وبغير مصر)، يعلم أن حبل هذه القوانين حتماً سيلتف حول عنقه في يومٍ من الأيام.. فالتاريخ علمنا أنه لا الائتلافات ستدوم ولا الخصومات ستنتهي.. فاليوم أنا وأنت سنتفق في شأن ما، وغداً سنختلف في شأن آخر.. وهذه سنة الحياة.. الاحترام.. الاحترام هو السبيل الوحيد للتعايش.. احترام الآخر مهما كانت درجة الخلاف في الرأي أو العقيدة أو في تناول كافة المسائل الحياتية.. وقبل احترام الآخر، يجب على الإنسان السوي أن يحترم نفسه بدءاً، وأن يغالب نزعاته وشهواته. منتصف السبعينيات وبعد العودة السريعة من الاغتراب الأول للعبدلله، سألت أحد أعمامي من كبار المدرسين عن سر نجاح السودانيين في الغربة، وتبادلهم المحبة مع كافة شعوب الأرض.. رد باسماً: إن كثرة وتنوع أصول السودانيين بالوطن، (أوجبت) عليهم ضرورة احترام كل منهم للآخر في عاداته وتقاليده ومعتقداته وفي حريته، لذا عاشوا في حب ووئام ونقلوا ذلك لكل أنحاء العالم.. رحمة الله عليك أستاذي، عفواً، أسألك (الآن) ثانيةً: ماذا جرى لنا هنا وماذا جرى بمصرنا وبعراقنا وباليمن السعيد وبتونس الخضراء وبالمدن الشهباء ولأحفاد المختار وأبناء الهلال الخصيب وبفلسطين (القضية) تسير القهقرى.. تُرى.. هل يجيب من وُورِيَ الثرى؟..