الخبر المنشور بصفحة الجريمة في هذا العدد من (السوداني)، يصلح أن تتناقله وكالات الأنباء، ضمن أخبار الغرائب والعجائب. عنوان الخبر: (ضبط لصوص عقب خروجهم من السجن بأقل من 24 ساعة)..! التحريات أثبتت أن المجرمين الذين تم القبض عليهم في قضية سرقة ليلية أول أمس، بحي جبرة، هم من أخطر معتادي الإجرام والسرقات الليلية، وأنهم سبق وأن قدموا للمحاكمة وحوكموا بالسجن ثلاث سنوات. إلى هنا فالأمر عادي وطبيعي. لكن المفاجأة، أن عقوبة السنوات الثلاث، انتهت قبل أقل من 24 ساعة من القبض عليهم في جريمة أخرى! أعزائي القراء؛ اسمحوا لي أن أستغل هذا الخبر، لمناقشة قضية أتمنى أن تجد حظها من التداول الإعلامي من قِبَل ذوي الاختصاص، نعم علينا طرح الأسئلة، وعليهم توفير الإجابات. قناعتي أن السجون أصبحت في كثير من الحالات، ليست وسيلة عقابية وإصلاحية لشرائح من معتادي الإجرام. الأخطر من ذلك، أنها تحولت لنقيض دورها، بأن أصبحت استراحة تحفيزية وإعدادية لتلك الشرائح من المجرمين! أغلب المنتمين لتلك الشريحة، يعيشون حياة شديدة القسوة، لا يجدون طعاماً ولا علاجاً ولا ملاذاً آمناً للنوم. كل ما يفتقدونه في الحياة العامة، يتوافر لهم في السجون من رسوم وجبايات، يدفعها المجتمع عن يدٍ وهو صاغر! صحيح أن طعام السجون لا يُعدُّ طعاماً مستوفياً لشروط الجودة والصحة، ولكنه أفضل من الجوع والأكل من القمامة! مع الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء الطعام (طلب الفول بسبعة جنيه)، لم تعد قمامات المدن تجود بالطعام للكلاب، دعك من البشر! أما المستشفيات، فهي لا توفر علاجاً مجاناً للمشردين ولصوص الليل، فهي لا تتعامل معهم إلا في حال كونهم جثثاً مجهولة الهوية! في السجون وحدات صحية توفر الحد الأدنى من العلاج لكل سجين، ذلك عن إلزام لا عن طوع. عقوبة السجن ذات شقيْن: إصلاحي وعقابي، والمعلوم للجميع أن السجون لا تقوم بدور إصلاحي، يصبح من خلاله المجرم إنساناً سوياً وصالحاً. من قبل، رويت لكم قصص المساجين الذين بدلوا دينهم للمسيحية لعدة أسباب. إذن السجون لا تصلح، بل قد تقود للكفر والخروج عن الملة! قد يقول قائل: إن فكرة العقاب عبر آلية السجن الغرض منها الحرمان من الحرية ووصمة الجاني اجتماعياً. واقع الحال في الشرائح التي نتحدث عنها، يقول إنها لا تستمتع بحريتها خارج السجن، حتى تأسى لفقد تلك النعمة بدخولها إليه! من نتحدث عنهم حكمت عليهم الظروف الاقتصادية، والأوضاع الاجتماعية، وغضب الجغرافيا، وظلم التاريخ، أن يظلوا طوال حياتهم معتقلين في ظروفهم البائسة والتعيسة. العقوبة يراد منها إلصاق الوصمة الاجتماعية بهم، ذلك بمقاييس واعتبارات المجتمعات المستقرة؛ ولكن قد تكون في مجتمعات تلك الشرائح مصدر فخر واعتزاز! سؤالي البسيط جداً: إذا انتفى عن السجون دورها العقابي والإصلاحي، فما جدوى وجودها في الأساس؟ وما البديل لها للقيام بتلك المهمة المزدوجة في العقاب والإصلاح؟! نواصل.