أجدع الناس محمد سعيد شلي تناقل السودانيون في الداخل والخارج وفي مجالسهم الخاصة والعامة حكاية السوداني الذي يعمل راعيا بالمملكة العربية السعودية ورفض قبول رشوة تعادل عشرات أضعاف راتبه .. انتشرت القصة في أرجاء ( المعمورة ) انتشار النار في الهشيم بعد أن تداولها ناشطون عبر الوسائط الإلكترونية ..والحكاية بإيجاز للذين فاتهم معرفة تفاصيلها أن شبابا سعوديين التقوا براعي سوداني بسيط فطلبوا منه منحهم ( نعجة ) من القطيع الذي يشرف عليه فاعتذر الراعي بحجة أن القطيع ليس ملكه فعرضوا عليه مبلغ مائتي ريال وأن يقول لمالك القطيع إن النعجة ضاعت ..لكن الراعي رفض بحسم وهو يقول ( ولا حتى مائتي ألف ريال )..تواصل مسلسل الحوار والإغراء والذي كان يتم توثيقه سرا بالصوت والصورة على طريقة الكاميرا الخفية ..اختتم ذلك الموقف المشرف بكلام قاطع من الراعي ( لو انطبقت السما والأرض ماح أديكم نعجة !!) ذلك الراعي والذي ينتمي لمنطقة البطانة بشرق الجزيرة كان مستعدا, لو تطور الأمر, لمواجهة أولئك الشباب حماية للقطيع الذي اؤتمن عليه فهو نتاج ثقافة لسان حالها يقول (نحن صواقع البرق الشلع ضحوية. نحن الفوق نحاسنا بنلعب الصقرية. نحن صغيرنا مامونا يلاقي المية .).حكاية ذلك الراعي البسيط واحدة من مئات القصص والمواقف المشرفة التي يقوم (ببطولتها) سودانيون في دول المهجر والتي تؤكد أننا (أجدع ناس) كما يصفنا الكثير من إخوتنا العرب. شكلت لجنة بقرار من الوزير المختص في مرفق حكومي بدولة خليجية لوضع مشروع للائحة شروط خدمة العاملين بذلك المرفق المهم ..ضمت اللجنة في عضويتها خبيرين سودانيين وخبيرين من دولة عربية ومدير وحدة شؤون الموظفين بذلك المرفق والذي أسند إليه القرار رئاسة اللجنة وهو من مواطني الدولة الخليجية ..وكلف الوزير موظفا بمكتبه بمهمة المقرر .. يتبع الخبراء الأربعة وفق الهيكل الإداري لمدير شؤون الموظفين ورئيس اللجنة وهنا بيت القصيدة ومربط الفرس في هذه الواقعة .. أعد كل خبير ورقته كما جهز رئيس اللجنة وهو حديث عهد بالخدمة ورقة بدوره ... لاحظ الخبيران السودانيان أن الخبيرين العربيين وفي أول اجتماع للجنة, جلس أحدهما عن يمين رئيس اللجنة وجلس الثاني عن يساره ووضح لاحقا أنها (جلسة مطبوخة) بين الخبيرين.. بدأ الاجتماع ووضعت كل الأوراق على الطاولة كما يقول الساسة.. كانت الملاحظة الثانية أن الخبيرين العربيين أدارا ظهريهما لأوراقهما (وكنكشا) في ورقة رئيس اللجنة, علما بأنهما, إذا لعنا الشيطان, هما على قدر كبير من الكفاءة والخبرة. لكن هل تجدي الكفاءة والخبرة فتيلا في غياب المبادئ والأخلاق.؟. كان رأي الخبيرين السودانيين في ورق رئيس اللجنة على نقيض نظيريهما بل ووصفاها وبكل شجاعة وبصريح العبارة بأنها ورقة Off Point وقدما الحجة والبرهان على ذلك الوصف ولكن من يستمع.؟ لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي ..كان الموقف الذي انطلق منه السودانيان موقفا مبدئيا وأخلاقيا فإعداد مثل ذلك المشروع مسؤولية ومهمة لا تقبل الضبابية وإمساك العصا من الوسط .. فرغت اللجنة من تكليفها ورفع المشروع للوزير وظن الخبيران العربيان (وبعد أن شويا الزبدة) أنهما أصبحا من المقربين للسيد المدير.. تصفح الوزير المشروع لكنه لم يقتنع أن ذلك العمل الفطير شارك في إعداده خبراء على مستوى رفيع من الكفاءة فاستدعى مقرر اللجنة وعرف منه تفاصيل المسرحية الهزلية.. غضب الوزير غضبة مضرية وألغى المشروع (وقيل مزقه شر تمزيق) وشكل لجنة جديدة ضمت الخبيرين السودانيين والتي قدمت مشروعا "لا يخر الموية" فذهب الزبد جفاء ومكث في الأرض ما ينفع الناس. استقدمت عدد من دول الخليج في حقبتي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وفي بداية نهضتها التعليمية معلمين من خمس دول عربية وكان أكثرهم يحرص على السكن في ميز المعلمين السودانيين. ومرجع ذلك الحرص لجملة من الأسباب منها أنه الميز الاستثنائي الذي يخلو من الخناقات اليومية بينما تشهد الميزات الأخرى خناقات ومشاحنات على مدار اليوم ولأسباب هي في قاموسنا من صغائر الأمور ومن Shameful Behavior.. وتعد الثلاجة المشتركة واحدة من (ساحات العراك ) كأن يجد أحدهم أن تموينه الخاص قد نقص بيضة أو ليمونة. وللنأي من هذه الخناقات كانوا يفضلون السكن مع السودانيين ويصفونهم بأطيب ناس وأجدع ناس ..واقعة ثالثة عن (جدعنة) السودانيين جرت أحداثها في نهاية السبعينات ومسرحها دولة أوربية تكثر فيها العصابات المنظمة Organized Gangs والتي يفرض بعضها (أتاوات) علي أصحاب المطاعم والملاهي والويل كل الويل لمن يمتنع عن دفعها أو يقف في طريقهم حتى وإن كان ذلك المعترض من رجال الشرطة. بطل هذه الواقعة سوداني توفي في عام 1993م وترجع أصوله لجموعية حي العرب, ذلك الحي الأم درماني العريق. دخلت عصابة في مطعم تديره امرأة ولسبب ما انهال أفراد العصابة ضربا على المرأة. تزامن لحظتها وجود ذلك السوداني بالقرب من المطعم وهو صديق لزوج المرأة ولما علم بحادثة الاعتداء, غلى الدم في عروقه وكأن المرأة المعتدى عليها أخته أو ابنة عمه فاندفع داخل المطعم وكانت العصابة لا تزال بداخله. أمسك بتلابيب زعيمها وصفعه أمام رجاله, أسرع زعيم العصابة خارجا من المطعم وهو يكاد يتفجر من الغيظ، واستأجر أحد أبطال الكراتيه المشهورين في ذلك البلد وأرسله لتأديب السوداني الذي أهانه. ولكن هيهات فقد خسر بطل الكراتيه المعركة في ثوان ونال بدوره علقة ساخنة ليعرف الناس بدورهم في ذلك البلد الأوربي أننا أهل مروءة ونخوة وأجدع ناس.