شمال دارفور.. الرصاص المنهمر! الفاشر: عبد الباسط إدريس عاصفة عسكرية وضعت ولاية شمال دارفور في دائرة التركيز مجدداً، بعد أن تعرضت عدد من المحليات لهجمات عسكرية من قبل الحركات المسلحة، حيث وضعت واليها عثمان محمد يوسف كبر تحت الاختبار إذ خلع "جلابيته البيضاء المكوية"، واستبدلها باللباس العسكري والعصا؛ وهي إشارة إلى أن الأوضاع قد وصلت لدرجة لا تحتمل بياض الجلاليب. إنها المرة الأولى منذ أكثر من عشرة أعوام قضاها (عميد) الولاة عثمان محمد يوسف كبر، يتحدث فيها الرجل بطريقة مباشرة، لا تحتمل سيناريوهات تقرب المشهد. الوالي عثمان كبر في تطور لافت، أطلق مساء أمس، عقب عودته من محلية (الكومة) صافرات الإنذار وهو يقول إن خمس محليات تشهد تدهوراً كبيراً أدى إلى تعطل الجهاز التنفيذي فيها، وتحولت بفعل هجمات المتمردين إلى مسرح عمليات تفرض فيه القوات المسلحة وجودها الميداني، ولكنه يشير إلى أن هجمات تحالف (الحركات) على محليات الولاية الشرقية، أفرز مآسي إنسانية يصعب تصورها، حيث إن محليات (حسكنيته والطويشة وكلمندو)، نزح منها نحو 350 ألفاً من المواطنين، إضافة إلى عمليات نهب وتخريب وحرق للقرى، قامت بها قوات حركة مني أركو مناوي, وأشار إلى تضرر مشاريع التنمية والخدمات التي شيدتها الولاية بتلك المحليات. العملية التعليمية إلى جانب ذلك قال الوالي كبر إن عملية التعليم مهددة بالتوقف، وكان من المقرر أن تبدأ امتحانات طلاب مرحلة الأساس في الثاني والعشرين من الشهر الجاري، وأكد أن هنالك محليات متأثرة ونازحة بصورة كاملة حتى الآن، وأضاف: "لا أستاذ ولا تلميذ ولا مدارس، وكلهم الآن مشردون ولا قوة في الدنيا يمكن أن تجمعهم للامتحانات غير قوة الله تعالى"، وأشار إلى أن حكومة الولاية أمام ثلاثة خيارات: الأول تأجيل الامتحانات، وهو الخيار الأقوى لصعوبة الخيار الثاني، المتمثل في تجميع التلاميذ والأساتذة الذين لا يعرف أحد أماكنهم، أو إقامة الامتحانات بما تبقى من الموجودين، مستبعداً هذا الخيار الذي يؤدي إلى حرمان طلاب كثر بجانب الحالة النفسية السيئة للتلاميذ الذين يحتاجون إلى تهيئة قبل إجلاسهم. وكشف عن إشكالية حقيقية تواجه امتحانات الشهادة الثانوية العامة لطلاب الولاية، وقال إن وزير الدولة بوزارة التعليم العام وصل إلى الولاية، وهنالك ترتيبات ومعالجات تجري لإجلاس طلاب الشهادة الثانوية. تعطل مشروعات وقال الوالي كبر إن الولاية أنفقت على مشروعات النهضة المقامة في 18 محلية، مبلغ 203 ملايين جنيه من المكون المحلي للولاية، وأشار إلى أن حجم إنفاذ تلك المشروعات الخدمية والتنموية، بلغ في بعض المحليات أكثر من 80%، وأضاف: "رغم اتجاهنا في العمل التنموي وتجاوزنا للتقاطعات الأمنية والقبلية، إلا أن المشروعات التي كان من المقرر أن تكتمل في أغسطس المقبل، ستحتاج إلى وقت إضافي"، عازياً التأخير لهجمات المتمردين، وأكد أن القوات المسلحة وقوات الشرطة تقوم بمجهودات كبيرة للحفاظ على مشروعات التنمية وأرواح المواطنين، وكشف عن تعزيزات أمنية وعسكرية ضخمة، دفع بها الجيش، لا سيما عقب انتقال هجمات المتمردين على بعض المناطق الشمالية بالولاية بما فيها محلية (مليط) التي دخلتها قوات التمرد عند الخامسة مساءً، وتم دحرها بواسطة قوات الجيش وبسط هيبة الدولة فيها عند الثانية من صباح أمس الأول. وقال كبر إن تعزيزات القوات المسلحة تمثلت في إرسال مزيد من القوات، بجانب خطة من قبل لجنة أمن المحلية لتأمين المواطنين وممتلكاتهم، وتكوين آلية مشتركة من قبل الإدارة الأهلية لإصلاح النسيج الاجتماعي بالمنطقة. حادثة الكومة الوالي كبر زار محلية مليط التي استعادتها القوات المسلحة، ومنها توجه إلى محلية كلمندو لطمأنة المواطنين هناك، غير أن مصادر ذات اطلاع قالت إن الوالي الذي كان برفقة قائد الجيش وقائد الشرطة بالولاية كان بمنزل معتمد محلية كلمندو، حيث أتى رصاص من الاتجاه المقابل للسوق صوب منزل المعتمد، وأكدت أن الوالي أمر القوات بعدم الرد على اتجاه الرصاص لضمان عدم وقوع إصابات في أوساط المدنيين الموجودين بالسوق؛ فيما فقد شرطي روحه وأصيب آخر وحالته مستقرة، وغادر بعدها الوالي المحلية عائداً إلى الفاشر. وقال كبر إن أحد من أسباب هجمات الحركات المسلحة هي الهجمات التي قامت بها قوات التدخل السريع وتطهيرها لمنطقة جنوب السكة حديد، حيث هربت تلك الحركات ناحية المحليات الشرقية للولاية وكوَّنت قوات (مني وعبد الواحد) تحالفاً للحركات لمهاجمة شمال دارفور. مناوشات متكررة الوالي كبر قال إن المنطقة الغربية شهدت اعتداءً على قوات الاحتياط المركزي ونهب سياراتها من قبل (القوات المتفلتة)، ونصب كمين آخر لذات القوات، مشيراً إلى معالجات أمنية وإنسانية تمت لمحلية سرف عمرة. وسخر من ادعاءات الحركات بدخول الفاشر، وقال إنها عصية جداً على الحركات، لكنه أكد أن هنالك خمسة مهددات أمنية تجابه الولاية، أولها التمرد والتفلت والصراعات القبلية والنهب المسلح وانتشار السلاح والشائعات. مستقبل كبر الوالي كبر قال إنه لا يجد فرقاً بين (المتفلتين) في بعض محليات غرب الولاية والمتمردين في شرقها، ولم يستبعد وجود صلات بينهما، وقال إن ما تشهده الولاية لا ينفصل عن بعض الممارسات السياسية التي ظل هو يقطع الطريق أمامها وأمام رغبات وأهواء بعض القيادات، وزاد: "بعض القيادات لديها طموحات تريد تحقيقها، وهناك محاولات لتلوين وتبرير الأحداث"، وشدد على أنه والٍ منتخب بموجب قانون الانتخابات ولديه فترة زمنية، ومن أراد الولاية فما عليه سوى الانتظار والمنافسة في الانتخابات المقبلة، وأضاف: "لكنني لدي استحقاق دستوري"، وعن ما إذا كان سيترشح للولاية مرة أخرى قال كبر "إنه لم يكن ينوي الترشح"، وأضاف: "لكنني الآن بدأت أراجع هذه القناعات، وربما أترشح مرة أخرى، بسبب التحديات التي تشهدها الولاية". ونفى بشدة وجود أية خلافات شخصية بينه وزعيم قبيلة المحاميد موسى هلال، مشيراً إلى أن الأخير ظل يهاجمه وهو لا يريد التحدث أو الرد عليه.