عقدت في المركز العالمي للدراسات الأفريقية، ندوة حول متطلبات الرؤى السياسية حول الدستور القادم، وهي رؤى مختلفة في اتجاهاتها، غير أنها تصب في بناء واحد يمثله الدستور، والذي يستوعب الاختلافات أيضاً في مضماينه!.. ومن المعالم الواضحة التي خرجت بها الندوة خارطة طريق ربما توحد الخطوات المتعثرة في اتجاه جماعي. بيّن المحامي عمر شمينا، أن الدساتير السابقة اتُّبع فيها نهج صفوي فكانت مهمة كتابة الدساتير توكل إلى لجنة مكونة من قانونيين وسياسيين، وقد عارض هذا النهج مبادئ الشريعة الدستورية التي تنعقد للشعب، فضلاً عن أنه لا يحقق طموحات الجماعات التي تعاني من التخلف وغياب التنمية، وتمثل تجربة جنوب أفريقيا في مشاركة الشعب في كتابها دستورها لعام 1996م، مثالاً يحتذى وذلك من خلال مراحل بدأت أولاً بإجراء انتخابات غير عنصرية، لتكوين جمعية تأسيسية تضع دستوراً يتوافق عليه الجميع، ثم اجتمعت هذه الجمعية المنتخبة وناقشت نصوص الدستور عبر حوار مع فئات الشعب، من خلال حملة إعلامية واسعة طالب فيها أفراد الشعب بتقديم أفكارهم للجنة التي درستها وضمنتها في الدستور، وهذه المشاركة الشعبية المشار إليها يجب أن تتوافر في الدستور القادم، والذي يحتاج إلى عدة منطلقات، تتمثل في أن تصدر الحكومة قانوناً بتكوين اللجنة القومية لصياغة مسودة الدستور. وينص القانون على عدد أعضائها الممثلين من كافة التجمعات السياسية ومنظمات المجتمع المدني وشخصيات عامة وحملة السلاح، ثم ينص القانون على اختصاصات اللجنة وصلاحياتها، ومن ضمن الصلاحيات: إنشاء لجنة فنية، وإصدار قانون لانتخاب جمعية تأسيسية، تكون مهمتها الأولى إجازة الدستور. خارطة طريق فيما قال خبير القانون الدستوري، د.عمر عوض الله، بضرورة استشعار المسؤولية الوطنية للمحافظة على وحدة السودان في هذه المرحلة الحرجة، التي لا تقبل أي قرارات وترددات من شأنها أن تستفحل معها الأزمة الحالية، والمطلوب من الدستور القادم تعزيز الوحدة الوطنية، باعتبارها إطاراً سياسياً لتسوية سياسية بأدوات تعبر عن الشعب من خلال الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، إذ أن غياب الممارسة الديمقراطية داخل أروقة الأحزاب، وغياب الوجود الفعلي لمنظمات المجتمع، قد أسهما في أزمة الحكم، وعلى أرضية الوضع الراهن والاتجاه السياسي الرامي إلى مد سبل الحوار وقبول القوى السياسية بهذا الاتجاه، تبرز إشكالية في فسحة الوقت لمناقشة موضوعات الحوار وهي قضايا متشعبة وتحتاج إلى فترة طويلة من الزمن، ومن واقع التجربة الكينية التي أخذت سنوات في مناقشة مثل هذه القضايا المطروحة، وبدلاً من موضوعات الحوار يقترح د.عمر عوض الله، تهيئة أجواء الحوار وليس مناقشة مواضيع الحوار، وذلك عبر خارطة طريق بجدول زمني تتناول الحريات الكاملة حيث تسمح للأحزاب بحرية العمل والوصول إلى قواعدها ثم النظر في قوانين الانتخابات لإرساء تداول سلمي قائم على ديمقراطية وشفافية. دستور انتقالي القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي، السماني الوسيلة، اعتبر أن أول الخطوات التي نحتاج إليها في الممارسة السياسية، هي عملية مراجعة الذات للاستفادة من أخطاء الماضي، مضيفاً: "كما يستلزم منا كأحزاب التواثق على الإرادة الديمقراطية، وأن لا نلجأ للانقلاب على مكتسبات الدستور، إذ إن الدساتير ليست هنالك في صعوبة صياغته، وإنما في مخافة استمرارها، أما على صعيد خارطة الطريق المطروحة، نحن نتفق على ما جاء فيها مع زيادة محور آخر يتمثل في أن تقوم الحكومة على تجميد كل التهم الموجهة لعناصر هذه الحركات حتى تنساق إلى ساحة الحوار"، وذات الاتفاق على هذه الخارطة أكده القيادي بحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل علي السيد، وبإضافة أخرى، هي الحاجة إلى دستور انتقالي بخلاف حديث الحكومة عن دستور دائم تقود إليه الشعب والقوى السياسية اتفاقاً. وحول الدستور القادم بينت المتحدثة باسم الحزب الشيوعي هنادي فضل، أن الضرورة تستدعي أن يكون الدستور كافلاً لكل الحريات الأساسية، ومتفقاً عليه، وتشارك فيه كل فئات المجتمع، ويستوعب المتغيرات ومطلوباتها الجديدة في واقع السودان بعد انفصال الجنوب، ونشاط الحركات المسلحة، وأن تتم حماية الدستور بدلاً من خرق نصوصه من طرف الحكومة. وحول البيئة السياسية المناسبة للدستور يشير ممثل حزب البعث العربي الاشتراكي، التجاني مصطفى، إلى أنه في حال عدم إطلاق الحريات، فإن الدستور لن يعبر عن الإرادة الشعبية ولا تتحقق فيه عناصر الإجماع الوطني.