بعد واحد وثلاثين دقيقة من التأخير، حضر وزير الإعلام، د.أحمد بلال، للقاعة الملحقة بوزارته من الناحية الجنوبية، وحيّا الصف الأول من الحضور قبل أن يصعد برفقة عميد الصحفيين محجوب محمد صالح إلى المنصة. ابتدر وزير الدولة بالإعلام، ياسر يوسف، الحديث بالاعتذار عن التأخير لأسباب قال إنها مقبولة، وأشار إلى أن مساعد الرئيس د.إبراهيم غندور، اعتذر عن الحضور بعد وفاة خاله هذا الصباح. وعلى الرغم من البداية المتأخرة لجلسة أمس، التي دعت لها وزارة الإعلام، تحت لافتة (الإعلام بين الحرية والمسؤولية)؛ إلا أنها طرحت موضوعاً حيويّاً يتعلق بحرية الإعلام، التي تمثل الناظم المركزي للحريات السياسية والمدنية، باعتبار أن الصحافة تمثل منبراً لتداخلات الصفوة في المجتمع، وتعكس اتجاهات الرأي العام، فضلاً عن مراقبة أي خلل في بناء المجتمع وتماسكه. في حديثه أمام اللقاء، طالب عميد الصحفيين السودانيين محجوب محمد صالح الحكومة، بنقل إشراف جهاز الأمن على الصحافة للأجهزة السياسية، ممثلة في وزارة الإعلام والمجلس القومي للصحافة، في سياق إتاحة الحريات للصحف وأجهزة الإعلام، بعد مبادرة الحوار الوطني، التي أطلقها الرئيس عمر البشير, وقال صالح في جلسة والتي نظمتها وزارة الإعلام ظهر أمس، إن فكرة الإشراف الأمني على الصحفي، بمثابة ردة لقرابة السبعين عاماً، وأضاف أن الصحافة السودانية تخطت منذ العام 1946 فكرة الإشراف الأمني للإشراف السياسي, وزاد: "أعتقد أن الإشراف الأمني على الصحف، أمر غير منطقي، وليس مفيداً للحكومة أو الأمن". وطالب الحكومة في ذات الوقت باحترام الدستور ووثيقة الحقوق، واعتبر أن عدم الالتزام قد تسبب في الأزمات المتعلقة بالحريات الصحفية والسياسية. وفي ذات الوقت، دعا صالح الصحفيين لتوحيد كلمتهم، لحماية حرياتهم الصحفية، والتوافق على ميثاق شرف يعزز قواعد المهنية، ويحقق الانضباط الذاتي، الأمر الذي يسد الذرائع للتدخل والوصاية على الصحفيين. في معرض المداخلات، قال مدير مكتب قناة الجزيرة بالخرطوم، المسلمي الكباشي، إنه في ظل هذه الأوضاع فإن الحكومة مطالبة بتأهيل الطاقم الأمني والإداري المشرف على الصحافة، من الناحية النفسية والمعرفية لينسجموا مع التغييرات الجديدة. وتتفق الكاتبة الصحفية سمية سيد، مع الدعوات لرفع جهاز الأمن يده عن الصحف والأجهزة الإعلامية، وتقول: "لتكن المحاكم هي الفيصل في أي نزاع"، وتستدرك حديثها وتقول: "ولكن وفقاً لقانون الصحافة وليس وفقاً لقوانين أخرى كقانون الأمن أو النظام العام". وليس بعيداً عن هذا يطالب رئيس تحرير صحيفة (السوداني) ضياء الدين بلال، بالتزام جهاز الأمن الواضح بعدم مصادرة الصحف أو إيقافها. وتساءل بلال: "في ظل هذه الأجواء، هل سيستمر جهاز الأمن في مصادرة الصحف أم سيتوقف؟!". في ذات الوقت يرى رئيس صحيفة (الخرطوم)، عبد الرحمن الأمين، أنه يجب ألا يُحشر الإعلاميون تحت أيِّ مظلة، حتى لو كانت وزارة الإعلام، وأضاف: "يجب إجراء إصلاح مؤسسي على مجلس الصحافة والمطبوعات، وإنهاء عهد التعيين فيه، وتأسيس ثقافة (أهلية الصحافة)". من جانبه قال وزير الإعلام، أحمد بلال، إن المشكلات التي تواجه الصحف، أكبر من الأمن والحريات، وأضاف أن هناك مشكلات كبيرة تواجه الصحف، كمدخلات الطباعة والتوزيع والقوانين المنظمة للعمل الصحفي. وشدد بلال على أن الحكومة تريد زيادة مساحة الحرية، وزاد: "نحتاج إلى مناخ معافى، ليتم الحوار بشكل بنَّاء". في ذات السياق، مضى الأمين العام للصحافة والمطبوعات، العبيد مروح، فقال إن السودان الآن في وضع انتقالي، لذلك يجب أن تنتقل فيه الأمور بسلاسة. ويشير مروح إلى أن هناك حاجة إلى إجراء إصلاح دستوري وتشريعي ومؤسسي، وزاد: "الحرية من حق الناس، ولكن في المقابل، لا بد أن تكون مسؤولة". في ختام الجلسة، أشار رئيس المجلس الوطني، د.الفاتح عز الدين، إلى أنه أخذ ملاحظات محجوب محمد صالح بجدية –ظهر ذلك في طلبه لقلم لتدوين حديثه- وقال عز الدين: "يجب ألا نتحدث عن مرارات الماضي، ونكتفي باستصحاب عِبَرِها للاستفادة منها في المستقبل"، ويختم حديثه بالقول إنهم يريدون أن يصلوا لمنطقة وسطى في مجال الحريات الصحفية، وتحديد ما يمكن أن يقال، عبر اتفاق الجميع على مسلمات وطنية.