تقرير: محمد حمدان هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته سلفاكير.. مشار.. رجلان بمثابة معادلة يصعب تسويتها، أشبه بمعادلة الدرجة الثانية في الرياضيات لكثرة المجاهيل التي تحيط بها، الأخير أعلن أمس سيطرته على مدينة (بانتيو)، عاصمة ولاية الوحدة الغنية بالنفط، واعتبر أن مناطق إنتاج النفط هدف مشروع له، بل قال إنه يريد السيطرة على العاصمة جوبا وحقول النفط الأساسية. ويبدو أن رياك مشار في سياق تطور الصراع بينه وسلفاكير، انتقل من التكتيك إلى الاستراتيجية، ورفع من سقف أهدافه، فأكد في مقابلة مع وكالة "فرانس برس"، أنه يريد السيطرة على العاصمة جوبا، وحقول النفط الأساسية، محذراً من أن الحرب الأهلية لن تتوقف قبل سقوط الرئيس سلفا كير. واعتبر مشار أن مناطق إنتاج البترول هدف مشروع لقواته، محذراً شركات النفط العاملة من مغبة وجودها في مناطق العمليات، وطالبها بحزم أمتعتها والمغادرة في أسبوع واحد. القتال في جنوب السودان، منذ اندلاع القتال بين الحكومة والمعارضة المسلحة، التي يقودها رياك مشار في منتصف ديسمبر الماضي لم يتوقف، وقد اتسعت العمليات العسكرية، وشملت أكثر من 7 ولايات من جملة عشر، وخلف آلاف القتلى وشرد أكثر من 900 من النازحين بسبب الحرب، وقد ترتب على الفرز الإثني والاصطفاف القبلي تعقيدات بالغة وكثيفة ألقت بتداعياتها على المشهد الاجتماعي والسياسي في جنوب السودان. ورغم أن آلية الإيقاد أفلحت في حمل الطرفيْن لاتفاق لإيقاف إطلاق النار، أبرم في 23 يناير الماضي بالعاصمة الإثيويبة أديس أبابا؛ إلا أن الاتفاق لم يصمد، وسرعان ما انهار وتجددت أعمال القتال، ومضت الجولة الثانية دون إحراز تقدم، فيما تأجلت الجلسة الثالثة إلى نهاية أبريل الجاري، غير أن موازين القوى العسكرية على الأرض ظلت غير ثابتة، فتارةً تتقدم الحكومة، وأحياناً قوات مشار، وظل مشهد الاستيلاء على المدن واستردادها في المناطق الكبرى لا سيما (بانتيو وبور وملكال)، وهي أكبر الولايات المنتجة للنفط؛ يشهد صعوداً. وتعتبر ولاية الوحدة التي سيطرت عليها قوات مشار من أغنى المناطق النفطية بالجنوب، في المقابل لم تنفِ جوبا ذلك، واعترفت بقتال يدور في المنطقة. وبالرجوع قليلاً إلى الماضي نجد أن قوات مشار ظلت تستهدف مناطق النفط بشكل دقيق، ففي نهاية فبراير الماضي دارت معارك عنيفة بين القوات الحكومية والمتمردين، بقيادة مشار في ولاية أعالي النيل، التي تختزن أكثر من ثلثي نفط دولة الجنوب. عمليات متواصلة إن إرهاصات إيقاف النفط، ظلت حاضرة منذ اندلاع الصراع، ولم تنفك تتراوح هبوطاً وصعوداً حسب مؤشرات الواقع السياسي، ويرى بعض المراقبين أن الصراع الذي يحتدم الآن بين فرقاء دولة الجنوب له بعد سياسي، خاصة تركيز قوات المتمردين في هجماتهم على مواقع النفط؛ ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أنها عمليات عسكرية تهدف سياستها لتجريد الحكومة من موارد النفط التي تعتبر السلاح الحاسم في الصراع الدائر الآن، وإرغامها على التفاوض بشروط مشار ومجموعته أو أنه بهدف آخر، هو إيذاء السودان تطبيقاً لسياسة عدائية سابقة تقوم على عدم التعاون مع السودان، وإضعافه اقتصادياً ودعم متمرديه عسكرياً لإسقاط الحكومة. وربما في ألطف الأحوال أن هجمات مشار على مواقع النفط لا تتعدى كونها رسالة سياسية لبريد الخرطوم، التي يرى المتمردون أنها تدعم غريمهم رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت، وبهذا تهدف المحاولة إلى عدم تحييد الخرطوم في هذا الصراع، واستمالتها لصالح مشار وقواته لضمان تحقيق انتصارات سياسية وعسكرية سريعة على الأرض، والسيطرة على حكم الجنوب، وهي محاولات وخيارات ظلت الخرطوم صامتة أمامها وعصية على كافة محاولات الاستفزاز التي طالتها بغرض جرها للصراع الجنوبي الجنوبي، وهو أمر يتضح من كافة التصريحات الرسمية للحكومة في السودان، التي ترى أن الصراع الجنوبي شأن داخلي لا يسر السودان كدولة جارة، وأنه قرر العمل في إطار المنظومة الإقليمية الهادفة لحل الأزمة سياسياً عبر محادثات سلام أديس أبابا. تحسبات سودانية لا شك أن البلاد ستتأثر على نحو مباشر بإيقاف نفط الجنوب، الذي بات أحد مكونات الموازنة المالية العامة للدولة، علاوة على الاعتماد عليه في توفير النقد الأجنبي، والفائدة منه في توفير المواد البترولية للاستهلاك المحلي، وبالضرورة فإن توقف النفط سيفاقم من الآثار الاقتصادية المباشرة التي يترتب عليها إيقافه بما في ذلك الكلفة المالية الباهظة لاستيراد حاجة البلاد المحلية، لسد النقص الذي سيخلفه إنتاج السودان المحلي من البترول. وفي هذا السياق، يمكننا التوقف عند توجيهات رئيس الجمهورية المشير عمر البشير منذ فبراير الماضي، إذ وجّه وزارة النفط بمضاعفة الجهد لتأمين حقول البترول والعمل على التنسيق مع الولايات في المحافظة على ثروات البلاد النفطية، كما إن التنسيق بين البلدين لحماية مناطق الإنتاج ظل هدفاً مشتركاً بين حكومتي الجنوب والسودان. ولمعرفة مدى حجم الآثار المتوقعة على النفط حال توقف إنتاج نفط دولة الجنوب كلياً، يقول الخبير الاقتصادي في مجال النفط السر سيد أحمد، في تعليقه ل(السوداني) إن هنالك ثلاثة آثار تتمثل في: رسوم العبور التي يتحصل عليها السودان من تصدير نفط الجنوب عبر منشآته وموانئه، إذ يأخذ رسماً سيادياً وخدمياً على كل برميل نفط، وفي حال توقفه سيتوقف أحد مصادر النقد الأجنبي؛ الأثر الثاني يكمن في إشارة الرجل إلى اتفاقيات سبتمبر الموقعة بين البلدين، والتي تتحدث عن اتفاق النفط على ترتيبات مالية انتقالية تدفع دولة الجنوب بموجبها مبلغ ثلاثة مليارات ونصف المليار دولار للسودان لمدة ثلاث سنوات، وإذا توقف بترول الجنوب، فإن تلك المبالغ لن تأتي للسودان، لأن الجنوب يعتمد بشكل رئيسي على عائدات النفط، أما الأثر الثالث، فهو أثر غير مباشر، ولكنه يؤثر على السودان، وهو ما ورد في اتفاقية سبتمبر بشأن الديون الخارجية في فترة السودان الموحد، واتفاق البلدين على تحرك ثنائي لإعفائها خلال سنتين (تعتبر هذه السنة الأخيرة للتحرك)، ويرى أن السودان إن لم يتمكن من الوصول إلى تسوية حول قضية الديون في هذا العام، فإنه سيجد صعوبة في ذلك، حيث كان من المأمول أن تكون للجنوب علاقات إيجابية مع المجتمع الدولي، ولكن عقب اندلاع الحرب بات وضع الجنوب –بحسب سيد أحمد- أسوأ من السودان، كما يرى أن فرص مساعدة الجنوب للسودان في إعفاء الديون قد تتلاشى. خيارات وبدائل وفقاً لمبادئ علم الاقتصاد ونظرياته في أنه علم البدائل، لذا فإن الواقع يحتم على السودان العمل بمبدأ الحيطة والحذر، والترتيب للبدائل المجدية. (السوداني) طرحت ذلك التساؤل المهم على الخبير الاقتصادي د.محمد الناير، وقال: "إن نفط الجنوب سيؤثر على سعر صرف العملة الوطنية، وهو ما يستدعي تجديد مطالبنا بضرورة فك الارتباط بين سعر الصرف وما يأتي من عائدات نفط الجنوب"، مشيراً إلى أنه من الأفضل للدولة أن تتبع ذلك منذ وقت مبكر من وضع تدابير مناسبة، ويرى أن العامل النفسي سينعكس على السوق الموازي الذي سيسعى بدوره للمضاربة في الدولار، وقد يرتفع سعره أكثر مما هو عليه، وهو أمر يقول الناير إنه يتطلب استعداد البنك المركزي لضخ كميات مقدرة من النقد الأجنبي للتقليل من تلك الآثار، لكنه عاد وقال إن هذا الأمر يتوقف على حجم النقد الأجنبي بالبنك المركزي. ويرى د.الناير أن الخيار الثاني هو تحويلات المغتربين ويتطلب ذلك إعادة الثقة بينهم والدولة ومنحهم الضمانات اللازمة، ليقوموا بتحويل أموالهم عبر القنوات الرسمية، مؤكداً أن ذلك سيوفر مبالغ تتراوح ما بين أربعة إلى خمسة مليارات دولار سنوياً، وهي كافية لتعويض فقدان عائدات النفط. أما الخيار الثالث للناير، فله صلة بالموازنة المالية العامة للدولة للعام الجاري، التي قال إن حجمها كبير ومن الصعوبة أن تطبق تلك الموازنة بحسب ما ورد فيها، رغم قوله إن عائدات نفط الجنوب التي وضعت في الموازنة هي 2,3 مليارات جنيه، وهو مبلغ يقول إنه غير كبير رغم أن العائدات الحقيقية لنفط الجنوب تقدر مقارنة بالعملة المحلية بمبلغ ستة إلى ثمانية مليارات جنيه، ويشير إلى إمكانية تغطية المبلغ المذكور أي (2,3) مليارات جنيه من التوسع الضريبي الأفقي، إضافة إلى الإنتاج المنظم للذهب الذي يوفر للدولة احتياطاً نقدياً وأموالاً تحل محل البترول، إضافة للبرنامج المتسارع لزيادة النفط من الحقول المنتجة. ويرى الناير أنه في حال عدم حدوث كل ذلك، فإن موازنة العام الحالي قد تواجه صعوبات، وربما يدعو الأمر لإعادة النظر في ميزانية العام 2014.