:: ومن روائع القصص الشعرية، ما جاد به خيال الرائع خالد شقوري: (طُفت أطراف الفيافي، وشلت صبحي وليلي حافي، وما نسيت ارد القوافي، زي طعم صبرية مافي، زي عشم صبرية مافي، زي نغم صبرية مافي)، فمن هي صبرية التي - بطعمها ونغم صوتها - ترغم الشاعر على كتابة القوافي والطواف في الفيافي؟.. يُعرّفها شقوري للناس: (شافعي من عُربان بلدنا ومنها وفيها الوداعة، وشتلة في قيزان بلدنا وقايمة باديها وضُراعا، والبسيمات في شيها باهي من زمن الرضاعة)، ويتواصل الوصف البليغ ليس لجمال صبرية فقط، أيضا لبعض تفاصيل حياة (عُربان بلدنا)، وما فيها من أوجاع الرحيل. :: وعندما يغني محمد النصري لشقوري وخالد الباشا ومحمد سفلة وآخرين من شعراء الشمال، تطمئن بأن الناس في بلادنا يحبون الأرض والنيل والأهل والأبريق والمسيد والنخيل، ويتمسكون بكل ما هو أصيل رغم أنف تطور الحياة، ويعز عليهم فراق تفاصيل تلك الديار وما فيها من الأصائل. وهكذا تقريبا يتفحص ود النصري أشعار الشعراء، لينتقي من دررهم ما يناسب وجدان أهل السودان وما يعبر عن أصالة مجتمعنا وآلامهم وآمالهم، ويؤديها بصوت شجي وإحساس مرهف. ولهذا نجح ود النصري بأن يكون مختلفا عن الآخرين في الاختيار واللحن والأداء، وهذا ما يسمى بالتميز والتفرد. ولهذا يستحق ود النصري بأن يوصف ب (فات الكبار والقدرو)، رغم أنه ينفي ذلك بقوله: (العين ما بتعلى على الحاجب). :: وقبل سبع سنوات تقريبا، بمنتدى الصحافة، سأل البعض الراحل المقيم محمد الحسن سالم حميد، فقال بالنص: (محمد النصري بدأ فاشلا ثم نجح بامتياز، وهذا يعني أنه تعلم ويتعلم يوميا ويبحث عن الأجود شعرا ولحنا). هكذا وصف حميد رحلة ود النصري ومحطة الامتياز التي بلغها مسار رحلته. وحميد حين يصف - حال بلد أو إبداع مبدع - لم يكن يجامل أو ينافق. وذات يوم، حين أراد منتدى الصحافة أن يستضيف الراحل المقيم محمد وردي، وكان العرف هو أن يختار الضيف من يحب من المبدعين ليشاركه في حديث وغناء المنتدى، فاجأ وردي الجميع بأن يكون معه ود النصري. وقد كان. وبعد أن استمع إليه وردي، واستمتع بروائعه، صاح بعفويته: ( ياخ الزول ده عجيب، وقدر يضيف نكهة جديدة في الأغاني)، ثم غنى معه. هكذا اعترف بموهبته، ونادرا ما كان يعترف وردي بإبداع الآخرين. :: وقبل ثلاث سنوات، وفي أماسي شهر رمضان، وثقت قناة الشروق وعرضت أعمال فنان إفريقيا الأول محمد وردي عبر برنامج (أعزّ الناس)، ثم وثقت أعمال الأستاذ محمد الأمين عبر برنامج (زورق الألحان)، ثم وثقت أعمال الأستاذ صلاح بن البادية عبر برنامج (الملك). وها هي الشروق ذاتها توثق وتعرض في رمضان هذا العام أعمال الرائع محمد النصري عبر برنامج (مع النصري)، أو هكذا يفرض ود النصري إبداعه بحيث يقف موازيا لإبداعات هؤلاء العمالقة رغم فارق العمر والتجربة و(اللونية). لقد اجتهد النصري ونجح في اختراق وجدان الشباب بنكهة غنائية تتحدى الزمن و( أغاني وأغاني).