:: عليه رحمة الله، ذات يوم سألت مُبدعنا الراحل أبو آمنة حامد مازحاً : (ما الذي يعجبك في الهلال لحد الهُيام؟)، فأجاب الجميل ضاحكاً : (بعض الحب لا يُبرر)، أي لن تجد له تبريراً .. وإن كان بعض الحب هكذا، كذلك تقريباً كل أنواع العنف.. أي ما لم يكن العنف دفاعاً عن النفس والمال والعرض، فليست من الحكمة أن تبحث له تبريراً.. وعلى سبيل المثال، بزاوية البارحة، عندما انتقدت حادثة الاعتداء على ثلاث طبيبات وكادر تمريض بمستشفى النو، هناك من أوجد تبريراً للحادث بأقوال من شاكلة : (لكن في دكاترة حقارين ويستاهلوا الدق).. مهما كانت الأسباب، ما لم يكن هو البادئ بالاعتداء، لا يُوجد إنسان على ظهر الأرض يستحق ( الاعتداء عليه).. أي حق الدفاع - فقط لاغير - هو شرط الاعتداء على الآخر .. وما عدا هذا الحق المشروع، فالقانون هو الفيصل .. إطلاقاً لاتبرروا الاعتداء غير المشروع، وذلك حفاظاً على مجتمع لا يسود فيه ( قانون الغابة) !! :: ذاك شيء، والشيء الآخر نعم تعاني مشافي البلاد من كل أنواع الفوضى والتسيُب الإداري..و دائمًا ما يكون بؤس الإدارة بالمشافي هو مدخل العنف غير المشروع وأهم أسباب الاعتداء على الأطباء و كوادر التمريض .. يأتي المرافق بمريض في حالة طارئة ولا يجد المُرشد الذي يجب أن يأخذ بيد مريضه ويذهب به إلى حيث الطبيب المناوب .. وناهيك عن هذا المرشد الغائب - والمغيب - في كل مشافي البلد، بل كثيرًا لا يجد هذا المريض ومرافقه حتى الطبيب المناوب ( ذاتو)..نعم، قد يكون هذا الطبيب المطلوب - في اللحظة الطارئة والحرجة - في حالة متابعة لمباراة مهمة بكل حواسه أو مشغول بالواتساب و الفيس بوك، هذا ما لم يكن خارج المكتب والمستشفى..ومن هذه اللامبالاة والفشل الإداري، يبدأ غضب المرافق للمريض ويتصاعد لحد الاعتداء..!! :: وأزمة إدارة المشافي في بلادنا من الأزمات ذات الجذور التي لا يمكن استئصالها إلا ب (انقلاب كامل).. إدارة المشافي - وهي فرع من علوم الإدارة - صارت علماً يُدرس بالكليات والمعاهد العليا.. ويتخرج خريج تلك الكليات والمعاهد - بعد سنوات التعليم النظري والعملي - بكيفية إدارة المرفق الصحي بكامل التجانس والتنسيق مع الفريق الطبي العامل بذات المرفق..ولكن هنا في السودان - والحمد لله على كل حال - يبدأ استشاري أمراض القلب يومه بأمر من شاكلة : (يا حماد سقيت النجيلة؟)، ثم يختم يومه بأمر آخر من شاكلة : (يا حسين املأ الأزيار)..أوهكذا يغرق استشاري أمراض القلب في بحر تلك الأوامر الإدارية طوال ساعات العمل بصفته (المدير العام) أو (مساعد المدير العام)..وبالتمادي في ترسيخ هذا النهج المتخلف، تكون أوجاع الناس والبلد قد فقدت نطاساً بارعاً في عالم الطب، وذلك بتحويله إلى (إداري فاشل)..!! :: إدارة المشافي بشركات كوادرها درست علوم الإدارة ليست بدعة في عالم اليوم الذي يقدس المؤسسية وتخصصاتها، ولكن مجرد الاقتراح بخلق هذا النوع من الإدارة الحديثة في مشافي بلادنا يعد نوعاً من الجنون..فالتقوقع في نُظم حياة ما قبل ميلاد سيدنا عيسى عليه السلام هو الأصل الراسخ في عقول سلاطين بلادنا، وإطلاقاً لاتُحدق عقولهم في تجارب الآخرين الناجحة وتواكبها..ولذلك، نتجاوز مقترح إدارة المشافي بواسطة الشركات المتخصصة، ونقزم الطموح بحيث يكون المقترح إدارة المشافي بواسطة الذين درسوا وتخصصوا في (علوم الإدارة) ، و ليست بواسطة الذين تخصصوا في (المخ والأعصاب) أو (المسالك البولية).. فالإدارة شيء والطب شيء آخر يا سلاطين بلادي، وظاهرة الاعتداء على الأطباء ما هي إلا إحدى ثمار (خلط الأشياء)..!!