لأول مرة منذ أن عرفته في صفحات الصحف وشاشات التلفاز، أتفق معه في شيء أدلى به، مازال هو الرجل الذي يثير الاستغراب بإجاباته العجيبة، قال مرة في استضافة تلفزيونية قبل سنوات: "الحكومة السودانية تمنع نساء دارفور من أن يحتطبن".. فقاطعته المذيعة لتسأل "سيد عبد الواحد نور، هل الآن مشكلة دارفور تتمثل بمنع الحكومة لنساء دارفور من الاحتطاب؟" فرد قائلا "هذا فضلا عن قتلهن وتشريدهن".!! لن أنسى تلك العبارة أبدا، لماذا أعطى الرجل قدسية وأهمية للاحتطاب؟ وهل منع الحكومة للاحتطاب أهم من القتل والتشريد؟ ولأنه لم يكن مقنعا من حينها، أحسست أن عبد الواحد محمد نور، أكثر الشخصيات القابلة للزوال بعد فترة.. بالأمس، وصف عبد الواحد مطلب الأمين العام للحركة الشعبية شمال ياسر عرمان بإعطاء حكم ذاتي للمنطقتين "بالابتزاز السياسي والفرقعة الإعلامية"، ورغم أنه أكمل العبارة بصيغة لا نتفق معها، وهي أن هذا المطلب من حقوق المواطنة وليس منحة تُعطى للشعب من قبل الحكومة أو المعارضة، إلا أن الوصف الأول، كان دقيقا –من وجهة نظري– في هذه المرة فقط. ياسر عرمان، شخصية سياسية مختلف عليها، بإيجابياته أو سلبياته أظهر تمكنا من إدارة اللعبة السياسية وفق ما يرغب أو يطمح، رغم أن الكثير تنبأ له بالفشل المبكر.. ياسر بنظر البعض رجل الحرب المتعطش للدماء، يصوره الإعلام، بالمتلكك والمتحرك وفق أجندة شخصية أو أجندة آخرين، تاريخه أسود مليء بالقتل والخيانة واستعداء الوطن، متهم أساسي بفصل الجنوب وإشعال الحرب في النيل الأزرق وجنوب كردفان لكنه لدى فئة أخرى، كافح من أجل المهمشين ورفع لواء المحرومين وأفنى شبابه في النضال والمناداة بالديمقراطية، حتى أن زميلنا بهرام، سمى مولوده البكر "ياسر" لأنه رجل ملء السمع والبصر. وبغض النظر عن كاريزما ياسر، أو نواياه ودوافعه، إلا أن المواقف الواضحة تمكن الناس من الحكم عليها دون الرجوع بخلفيات تاريخية إلى الوراء. ياسر عرمان برر مطلبهم في مفاوضات أديس الأخيرة بمنح الحكم الذاتي للمنطقتين باعتبار أنهما تضمان اغلب مسيحيي السودان فضلا عن الخصوصية الثقافية لهما، محذرا أن رفض الحكومة السودانية لهذا المطلب سيؤدي إلى تكرار سيناريو جنوب السودان – أي الانفصال.! من الذي قال لياسر إن معظم المواطنين في تلك المنطقة مسيحيون؟ وهل هذا مبرر كاف للمطالبة بالحكم الذاتي؟ أليس ياسر هو من ينادي بسودان موحد متعدد الثقافات والأعراق؟ ألا يكفي أنه كان شاهدا على تجربة الجنوب، لكنه يرغب بتكرارها مرة أخرى في مكان آخر ولأسباب ضعيفة؟. صحيح أن هذا البند ليس هو سبب تعليق الجولة التفاوضية، وإلا كان ياسر قد أثبت بالفعل الواضح وليس التحليلي، أنه المتسبب في تأخر السلام في المنطقتين.. وصحيح أنه مضغوط من قادة الحركات المسلحة التي تصر على ربط قضية دارفور بمنبر أديس أبابا تحت الرعاية الأفريقية، وتحرص أن لا يتم اتفاق نهائي مع الحركة الشعبية بمعزل عن قضية دارفور، غير أن الموافقة على ورقة تبحث قضايا المنطقتين ثم فض الاتفاق بالتلكك والتحجج وإدخال أجندة إضافية، سيثبت الانطباع عن عرمان هذه المرة "فعلا" لا "تحليلا".!