الخرطوم والمحكمة الجنائية.. هل انتهت الحرب؟! تقرير: عبد الباسط إدريس طعنة قاتلة صوَّبتها المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا عندما قررت أول أمس حفظ ملف دارفور، لعدم دعم مجلس الأمن. وقدمت المدعية في جلسة المجلس مساء يوم (الجمعة) الماضي التقرير رقم عشرين في جلسة مجلس الأمن، لتقدم هذا الطلب بشكل يائس من تحقيق مرادها في ملاحقة قادة الإنقاذ. هنا في الخرطوم، كان الرد سريعاً وبطعم الانتصار. خاطب الرئيس المشير عمر البشير الحشود من المزارعين من اتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل بالخرطوم أمس، بأن المحكمة الجنائية "رفعت يديها وسلمت"، مؤكداً "أنها لم تفشل لأن الرئيس رفض، ولكن الشعب السوداني هو الذي رفض أن يسلم لمحاكم الاستعمار". وفي ذات السياق، قلَّلت وزارة الخارجية من تقرير المدعي العام للجنائية، بأنه لم يأتِ بجديد يُقنع المجتمع الدولي بصحة الإجراءات التي ابتدرها المدعي السابق أوكامبو. وقالت الوزارة إن بيان فاتو، فضح حالة اليأس التي تحاصر مكتب الادعاء بالمحكمة، من حيث عدم تجاوب المجتمع الدولي مع توجهات المحكمة (الاستهدافية) والانتقائية. إعادة الملف إلى مجلس الأمن.. مواجهة جديدة أم احتجاج شديد؟ مصدر دبلوماسي رفيع قال في تعليقه على بيان المدعية العامة للمحكمة الجنائية إن ما تم نوع من "الاحتجاج الشديد" بسبب جمود ملف السودان. ورفض المصدر إعطاء خطوة الجنايات الدولية أية صبغة إيجابية، مشيراً إلى أن المدعية العامة لو قامت بتجميد أوامر القبض، لجاز الحديث عن مؤشر إيجابي، وعدَّ بيانها نوعاً من الاحتجاج بشأن عدم جدوى استمرار التحقيقات ومطالبة المجلس بتفعيل أوامر القبض لكي تستطيع إكمال عملها، وقال إن ذلك لا يُعدُّ بأي حال من الأحوال ظاهرة إيجابية. لا يستبعد العديد من المراقبين أن يقود قرار المدعية العامة إلى مواجهة من نوع آخر، وكان وكيل وزارة الخارجية عبد الله الأزرق الشهر الماضي قد أشار الأزرق بوضوح إلى أن هناك قراراً ما يجري الإعداد له لاستهداف السودان استناداعلى مزاعم الاغتصاب في تابت ، ولكن مدير إدارة السودان بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية هاني رسلان يستبعد وجود سيناريو محتمل من قبل مجلس الأمن على خلفية إحالة ملف محكمة الجنايات الدولية إليه مرة أخرى. ويؤكد رسلان في تعليقه ل(السوداني) أن الاهتمام بدارفور قد هبط لأن هناك متغيرات عربية تشهدها المنطقة العربية ويعتقد رسلان أن تجميد التحقيق من قبل المحكمة الجنائية وإعادته إلى مجلس الأمن، هو تأكيد على ازدواجية المعايير في النظام الدولي والدول الكبرى التي تتحدث عن العدالة، وعدَّه أمراً سياسياً بعد أن تم توظيف المحكمة كأداة قانونية في مرحلة من المراحل، لتحقيق أهداف سياسية. =============== استهدفت عدد من الرؤساء أفريقيا.. حينما تهزم الجنائية صراع كبير قاده الأفارقة ضد المحكمة الجنائية. وكان الرئيس الليبيري السابق تشارلز تايلور أول رئيس أفريقي يمثل أمام محكمة دولية، حيث أدانته المحكمة الخاصة في سيراليون عام 2012 بسبب تورطه في الحرب الأهلية في سيراليون. أما على مستوى المحكمة الجنائية الدولية، فقد كان أبرز وآخر القادة الأفارقة الذين اتهموا من قبل المحكمة الجنائية الدولية الرئيس الكيني الحالي أوهارو كينياتا الذي مثل الشهر الماضي أمام المحكمة حيث تمت تبرئته عقب الاتهام الموجه بحقه بالوقوف خلف عمليات العنف التي أودت بحياة آلاف المدنيِّين في كينيا عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية قبل الماضية. بجانب كينيايتا طالت اتهامات المحكمة العديد من القادة الأفارقة منهم رئيس زائير "سابقاً" موبوتو سسيكو، الذي لقي حتفه متأثراً بمرض السرطان في منفاه، كما مثل أمام المحكمة الجنائية أيضاً نائب الرئيس السابق لجمهورية الكنغو جان بيير بيمبا، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وسلب واغتصاب بعد أكثر من عامين من اعتقاله في بلجيكا. وواجه ببمبا التهم في أعقاب الجرائم التي ارتكبتها حركة تحرير الكنغو المتمردة خلال انقلاب وقع في أفريقيا الوسطى بين أكتوبر 2002 ومارس 2003. ===== من أوكامبو إلى بنسودا.. اختلاف الأداء والظروف وبإجراء مقارنة بين أداء المدعي العام السابق أوكامبو والمدعية الجديدة فاتو بنسودا؛ نجد ان المدعي العام السابق لويس أوكامبو شغل المنصب لمدة تسع سنوات؛ و تولّى القضية المحالة إليه من قِبَل قرار مجلس الأمن رقم 1591 ضد السودان، حدث ذلك في فترة كانت قد تحولت فيها أزمة دارفور إلى قضية عالمية ساخنة على المستوى الإعلامي والدبلوماسي، ونشطت خلال فترة تولي أوكامبو العديد من المنظمات المناوئة للسودان وللحكومة ، وظل الخبراء في القانون يتهمون أوكامبو شخصيا بانه مخلب قط واعتبروا تحركاته سياسية محضة أكثر من كونها تنمُّ قانونية . وعُرف عن أوكامبو استخدامه للإثارة الإعلامية ومشاركته في أنشطة المنظمات التي وصفت بعدم الحياد في تناولها لقضية الحرب في دارفور. أما مساعدته الخاصة وخليفته في منصب المدعي العام فاتو بنسودا؛ فربما تكون المرأة الأفريقية الأولى التي شغلت هذا المنصب الذي صوتت عليه 120 دولة وسط تنافس ضم عدد 52 شخصية لتنال فاتو منصب المحكمة التي تنظر في قضايا كلها أفريقية. وعقب تقلدها للمنصب رسمياً في عام 2012 كان الاهتمام بقضية دارفور قد تراجع إعلامياً ودبلوماسياً. ورغم أن فاتو تقدمت بما يقارب العشرين مذكرة إلى مجلس الأمن تشكو عدم تعاون السودان وامتناع عدد من الدول قبول مذكرة توقيف بحق رئيس الجمهورية، إلا أن مجلس الأمن لم يعر أمر المحكمة اهتماماً، حيث تزايدت القضايا الدولية ذات الأهمية التي ترتبط بها مصالح الدول الكبرى مثل الحرب على الإرهاب والاعتداء الإسرائيلي الثاني على غزة وحرب سوريا وثورات الربيع العربي. ================= تباين في الاراء قرار المدعية العامة.. محاولة للفهم قال القيادي القانوني البارز بالمؤتمر الوطني د.إسماعيل الحاج موسى في تعليقه ل(السوداني)، إنهم ينظرون إلى قرار المدعي العام بإيقاف التحقيق وإعادة الأمر لمجلس الأمن الدولي بسعادة كبيرة، لجهة أن ذلك كان موقف السودان منذ البداية لمجلس الأمن بأن لا يحيل هذه القضية للمحكمة الجنائية، لأن السودان ليس عضواً فيها، وأضاف: "ولذلك نحن سعداء جداً أن حدث هذا التناقض وهذه الفتنة". واستبعد استخدام المادة "16" من قبل مجلس الأمن أو إصدار قرار جديد، قائلاً إن القرارات عندما صدرت كانت الدول ضعيفة، أما الآن فيرى الحاج موسى أن روسيا تسعى لاستعادة مجدها ولها أسنان، وستقف هي والصين في مواجهة أي قرارات تستهدف السودان. ومن ناحية أخرى، يرى الخبير السياسي والحقوقي تيسير مدثر، أن ما ورد في تقرير المدعي العام يوم الجمعة الماضي، يحتمل عدة تأويلات، ويقول في تعليقه ل(السوداني) إن التقرير من جهة، قد يعتبر ممارسة لضغوط على مجلس الأمن لممارسة سلطاته بالتحرك والاستجابة لطلب ملاحقة المتهمين، كما أنه يحتمل تفسير أن المحكمة الجنائية قد وصلت إلى يقين بأن الاتهام ضعيف، وأن الظروف التي تحيط بالسودان والإقليم لا تسمح بالاستمرار في إجراءات النظر في هذا الاتهام،.واعتبر تيسير مدثر أن موقف السودان القوي والمواجهة الشجاعة لرئيس الجمهورية وتحديه لقرارات المحكمة لم يفشل مخططات المحكمة فحسب، ولكنه نجح في استقطاب دوائر إقليمية ودولية واسعة تنادي بعدم التعامل مع هذه المحكمة. ويرى خبير القانون الدولي والمختص في قضايا المحكمة الجنائية الدولية والمقيم السابق في "لاهاي" كمال بلال في تعليقه ل(السوداني) أن المدعية العامة لم تعلق أو تجمد الملاحقة ولكنها قررت تجميد التحقيقات في قضايا دارفور، ويلفت إلى أن القضايا التي تم توجيه اتهامات فيها قضايا انتهى فيها التحقيق، وأن المقصود بقرار المدعية العامة أنها حالياً قد قامت بتجميد التحقيقات التي سترتكب في دارفور لاحقاً. ويلفت كمال بلال إلى أن قضايا الاتهام السابقة خرجت من يدها كمدعية عامة، وباتت أمام قضاة المحكمة، وأشار إلى أن مثول المدعية العامة أمام مجلس الأمن هو رقم (20)، حيث سبقها أوكامبو بأربعة عشر تقريراً للمجلس، وعَدَّ تقريرها نوعاً من الاحتجاج على المجلس مستمثلاً بما ورد في التقرير الذي قدمته إذ قالت: "لا تتوقعوا منا أي حديث حول الأمر ستسمعون منا القليل أو لا تسمعون شيئاً إلى حين اتخاذكم لمبادرة". وبشأن حديثها عن الموارد المالية، أشار كمال إلى أنها برَّأت الرئيس الكيني، ولكنها ستقوم بمحاكمة نائبه، ولذلك تريد توجيه الموارد المالية لهذه القضية وغيرها من القضايا لأن المدعية العامة فعلت ذلك بعد إحساسها بأن مجلس الأمن لن يتخذ قراراً، وأن القرار لن يُناقش دون موافقة الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن. === المدعي الأسبق لجرائم دارفور مولانا عبد الدائم زمراوي ل(السوداني): القرار يلقي أعباء كبيرة على القضاء السوداني والأجهزة العدلية في تطبيق العدالة