تقرير: سوسن محجوب قبيل أن تجف إمضاءات المسؤولين بوزارة الخارجية في القرار القاضي بإلغاء تكليف القنصل في الإسكندرية على خلفية إدانته بتجاوزات مالية وإدارية والإهمال في إداء الواجب، كشف المراجع العام الطاهر عبدالقيوم عن وجود فساد في ست سفارات بين تجنيب وتسخير أموال دون موافقة وزارة المالية، ما ورد في دفاتر المراجع، فتح الباب واسعاً عن دهاليز ما يحدث في السفارات والبعثات السودانية بالخارج. ++++++++++++++++ اختلاف الكشوف... وتهم التقصير تقرير المراجع العام الطاهر عبد القيوم اسم الأول حصر التجاوزات في وزارة الخارجية في تجنيب بعض سفارات السودان بالخارج لرسوم الخدمات "تأشيرة الدخول للسودان" بل أنه قال إن 90% من رسوم خدمات القنصلية فى دبي تحول لصالح بناء السفارة ومنزل السفير بأبوظبي دون تصديق من وزارة المالية، فيما كشف أيضاً عن عدم تجديد العقودات السنوية للعمالة المحلية بسفارات (بيروتالقاهرةأبوظبيدبي) إلى جانب عدم تطابق أسماء العاملين بكشوف رئاسة الوزارة وكشوف مرتبات السفارة بالقاهرة مشيراً إلى توجيه 70% من قيمة المصروفات الكلية "301" ألف دولار لسفارة السودان تذهب لإيجار مقر للسفارة ومنزل السفيرعلمًا بأن السفارة تمتلك قطعة أرض مساحتها 4 آلاف متر منذ عام 1975م ولم يتم استغلالها، وسرعان ما يلوح في الأفق ما حدث في قنصلية الإسكندرية من تجاوزات مالية وإدارية حيث سارعت الوزارة باستدعاء القنصل وأجرت معه تحقيقاً عبر مجلس إدارة انتهى بتوجيه تهم التقصير والإهمال أيضاً. في وقت سابق استولى سفير على مرتبات العاملين في البعثة وغادرها طالباً اللجوء في إحدى الدول الأوربية، ولم يكن ما يحدث بسفارة السودان في هولندا ببعيد، فقد عمد السفير بابو نمر وطوال مدته الأربع سنوات التي قضاها في البعثة يعمل على أخذ أموال الدبلوماسيين والموظفين لعدة أشهر ويقرر بعد فترة منحهم مرتب شهر، ليعود إلى ذات الفعل مجدداً، وفي ذات السياق لم يكن يدفع إيجار مبنى البعثة السودانية كما كان مطالباً من قبل (مؤجر) المنزل، بعد أن مر عام كامل لم يدفع له فلساً، حتى تكالب عليه الدائنون إلى أن نجح تاجر يهودي في كشف أمره، فقد تدين السفير منه مبلغاً كبيراً من المال ورهن له سيارته الخاصة (التابعة) للسفارة، وحينما حان موعد السداد، تخلف عن الدفع كعادته، ولم يتمكن التاجر اليهودي من الحصول على السيارة (المحصنة) بموجب القانون، فقام بالاتصال بسفير السودان في لندن حينما علم بزيارة من المقرر أن يقوم بها وزير الخارجية آنذاك د. مصطفى عثمان إسماعيل إلى عاصمة الضباب، حيث نسق مع السفير بأن يلتقيه، فسافر التاجر والتقى بالوزير ناقلاً له شكواه، وتحسس حينها د. مصطفى من الموقف ووعد التاجر بأن تُرد أمواله، وعاد إلى الخرطوم طالباً التحقيق في تجاوزات "بابو" المالية، وفي ذلك الوقت قدم السفير طلب لجوءاً إلى لندن وسارع بالسفر إلى هناك، وفي هولندا قامت وزارة الخارجية بترتيبات (مرحلة انتقالية) لإدارة السفارة. +++++++++++++++++ أكثر من 60 سفارة... حسابات الجدوى على عكس ماهو متوقع من وزارة كان يجب أن يكون موقعها الإلكتروني مليء بالمعلومات بدقة، إلا أنني فشلت أثناء زيارتي لموقع الخارجية في معرفة العدد الكلي لعدد السفارات السودانية بالخارج من خلال موقع وزارة الخارجية على الشبكة العنكبوتية وتفاجأت بأن المعلومات بشأن عدد السفارات والقنصليات معلومات قديمة جداً ولم يحدث لها أي "تحديث" إذ إن القائمين على الموقع ربما لم يكلفوا أنفسهم ليضيفوا عدداً من السفارات والقنصليات التي قامت الوزارة بافتتاحها مؤخرًا فى بلدان إفريقية ودول أمريكا الأتينية مثل سفارة السودان فى دولة الجنوب وأخرى فى البرازيل وقنصلية السودان في الإسكندرية، فوفقاً للموقع أن عدد البعثات والقنصليات لا يتجاوز (58) وهو خلاف ما قاله المتحدث الرسمي السابق للوزارة السفير أبوبكر الصديق رداً على إحدى الصحف بأن عدد السفارات في الخارج يصل إلى (60) سفارة يعمل بها نحو (300) بمن فيهم السفراء والدبلوماسيون والإداريون والمحاسبون، لم يعد أمر افتتاح سفارة أو قنصلية أمراً سهلاً فهي تحتاج إلى موارد وميزانيات دون شك، ويعتبر السفير الرشيد أبو شامة أن فتح سفارة أمر مكلف جدًا ولذلك عندما يتخذ قرار بفتح سفارة ما أو قنصلية يجب التركيز في المقام الأول على وجود كادر دبلوماسي مؤهل وكفء ويمتلك من المهارات ما يفي بمهمة تمثيل بلده خير تمثيل، ولهذا يعتبر اختيار الشخص الذي يمتلك المواهب والمهارات والمظهر الحسن إلى جانب المؤهلات الأكاديمية في مقدمة الاهتمامات، ويضيف أبوشامة إلى أن هناك أسباباً مهمة جدًا تدفع باتجاه فتح سفارة في الدولة المعنية على رأسها العلاقة مع تلك الدولة سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو تجارية كما أن وجود جالية سودانية وبأعداد كبيرة يعني ضرورة رعايتهم وهذا أيضاً يتم عبر تمثيل دبلوماسي في درجة القنصل لذلك نجد قنصليات سودانية في عدة دول مثل الخليج والسعودية ودول إفريقية أخرى تستضيف أعداداً كبيرة من السودانيين، ويلفت أبو شامة في حديثه ل(السوداني) جوانب أخرى تستدعي تمثيلاً دبلوماسياً كالأسباب الأمنية، مثل علاقة السودان مع يوغندا التي ليست بها أعداد كبيرة من السودانيين كما لا توجد أي علاقات تجارية أو سياسية لكن ولأسباب أمنية، إلى جانب السفارة في كينيا، فهى دولة إفريقية ذات نشاط إعلامي كبير جداً ونشاط أمني لذلك يحتاج السودان لهذه الدولة ولبناء علاقات مستقبلاً معها و فتح سفارة في نيجيريا كان بسبب الأعداد الكبيرة للجالية السودانية في نيجيريا، وينبه أبو شامة إلى وضع نيجيريا حيث يعمد النيجريون إلى (تسويق) أنفسهم كدولة مهمة في الاتحاد الإفريقي والقارة لذلك وكموقف سياسي كان لابد للخرطوم أن تفتح سفارة هناك مشيراً إلى زاوية أخرى تتركز على التبادل الدبلوماسي بين السودان والبلدان الأخرى، إلا أنه يوضح ليست مهما أن يكون لديك سفارة فى كل دولة بل الأهم وجود كادر دبلوماسي مؤهل يقود العمل، ويعود مستذكراً ما قام به الرئيس الأسبق جعفر نميرى في العام 1983 عندما أغلق (26) سفارة وسميت ب(المجزرة) وذلك بسبب الضائقة المالية التي كان يمر بها، خسرت الحكومة وقتها كثيراً في عمليات التخلص من ممتلكات تلك السفارات حيث بيعت بأسعار زهيدة، منوهاً إلى أن المشكلة المالية لا زالت قائمة لذا يجب أن يكون العمل الدبلوماسي (مرشد) عدد قليل ونتائج أكبر، إلا أن دبلوماسيين آخرين يؤكدون على ضرورة تنفيذ سياسية ملء الفراغ على قدر المستطاع والابتعاد عن السياسة. ++++++++++++++ روافد تحقيق الغايات... الفضاء المفتوح السفير السابق بوزارة الخارجية عبدالله عمر يلفت ابتداء إلى ما يعتبره مفهوماً خاطئاً بشأن العمل الدبلوماسي؛ والذي قال إنه ليس بخطاب سياسي أو صوت إعلامي أوعلاقات عامة، وإن كانت هذه الأدوات وغيرها تأتي مساعدة حينما يستخدمها الدبلوماسي بنفسه.. فالدبلوماسية لها مجالاتها وآلياتها وأدواتها التي تعمل فيها وبها.، ويعرّف السفير في حديثه ل(السودانى) العمل الدبلوماسى بأنه هو مدخل واستكشاف لأقصر السبل للتفاهم مع الآخر، وتركيز نظره وإقناعه بالفائدة التي يمكن أن يجنيها الطرفان.. والدبلوماسية بأدواتها ووسائلها إنما تعمل في مجال متحرك؛ فمنذ تسعينات القرن الماضي لم تعد منحصرة فى مجال العلاقات السياسية للدول خارجياً. فقد صارت ذراعاً للتنمية وتطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية والإنسانية وثمراتها الإيجابية على العلاقات.. بل أصبحت هنالك مراكز دراسات للدبلوماسية الثقافية كمدخل لتطوير العلاقات بين الشعوب.. وهذه ليست بتلك التي صارت تعرف بالدبلوماسية الشعبية؛ إذ إن الثقافية تقوم على قواعد علمية وبحثية واقعية وبمداخل مؤسسية، وأدوات ربما تكون الشعبية إحداها، ويقول عمر إن أحد العناصرالأساسية لتحقيق الدبلوماسية لغاياتها، تعتمد على ما ترفده بها المؤسسات الأخرى في الدولة، من سياسية وتنفيذية واقتصادية وتجارية وثقافية واجتماعية.. وبالنظر إلى السودان، يجد أن درجة هذه الروافد متفاوتة وليست بالمستوى المطلوب، وبعضها يكاد أن يكون ضعيفاً.. والرافدان الاقتصادي والتجاري كعاملين أساسيين في العلاقات الدولية القائمة اليوم، لا يقومان بدورهما المطلوب في السودان؛ وذلك بسبب ضعف البنية والأداء إلى جانب عوامل أخرى، ربما يتمثل أحدها في التنافس غير المبرر بين الأجهزة الحكومية. // الفاتح