جدلية المكان والحياة التي نريد من الصعب أن تأتي هكذا على عجل، فليس من الطبيعي أن نحجم زمام أحلامنا ونحن جلوس على مقاعد الطفولة، لأننا عندما كنا صغاراً لم نجد من يحد من سقف توقعاتنا ويخبرنا أن الأحلام وإن طالت غفوتها لا بد لنا من استيقاظ وأن الواقع ومهما طابت لنا دروبه يوماً ما سيكون بما لا نطيق، إلا أننا وإن وجدنا من يخبرنا سنظل نفعل ونكرر ما أردنا فعله، وبعد ذلك نظل طوال سنوات العمر نندم على ما فعلنا وكيف أننا استسلمنا لعقلنا الطفولي الحالم ذات يوم. أن تظل الأمكنة التي انطلقنا منها تشعل بداخلنا الكثير كلما مررنا بها أو جاءت على حافة الذاكرة، وحتى بعد أن يدب في أجسادنا عود الصبا ونبدأ البحث عن ماهية الأشياء وإدراك أن فضاء هذا الكون به المزيد من اللاعلم تظل بعض الأرواح حبيسة مكان بعينه قد يكون بدأت منه حياة أو موت وحتى الموت في ذاته بداية ومكان آخر للانطلاق من جديد، فقط يظل الفعل الناقص أن لا أحد يعود من الموت ليخبرنا كيف تكون هذه البداية وكيف يكون طعم الانطلاق حينها، ثم بعد ذلك يأتي البحث في مكامن الضعف نافذة أخرى من اللاعلم تدور فيها أفلاك النفس البشرية التي لا يمتلك مفاتيحها إلا الله، ويبقى ذات السؤال الأزلي عن ماذا يختلف مكان عن آخر؟ ولماذا أوجدنا الله على الأرض دون غيرها؟ ثم ما هي الحياة؟ ذلك اللغز الذي استعصى على الفهم والانثى التي أغرت بمفاتنها الجميع ولم يستطع أحد امتلاكها، ثم القدر ذلك الرجل الذي يصرع بغروره الكثيرين، ثم الدنيا تلك المرأة العجوز التي تحاول التشبث بالعمر قدر الإمكان لكي تظل على قيد الحياة، ثم العمر ذلك الصبي الذي يحاول الإسراع قدر الإمكان من دون أن يدري أن الركض خلف شيء لن يعجل بالإتيان به، ثم الموت تلك القُبلة التي يطبعها الله على أرواحنا قبل الذهاب إلى المكان الذي بعثنا منه وبدأنا منه، لنعلم حينها أننا ما كنا إلا عابري سبيل تجول بنا الطرقات وتعلق بأعماقنا ذكريات الأمكنة حتى لا ننسى ذلك المكان الذي جاء بنا من رحم السكينة والخلود