في واحد من سطوره الوخاذة الممتلئة بالمعنى القريب والبعيد بقرينة العمق، أشار الكاتب محمد عبد الماجد في عموده المقروء للغاية بأنني الوحيد الذي يحس بإبداع زملائه من الصحفيين ويكتب عن ذلك بمحبة. أود هنا أن أشكر محمد على هذه الملاحظة وهي لاتجئ إلا من كاتب يحس أيضاً بجمال الآخرين ويغتبط للإشادة بهم. البحث عن الجمالية في الآخر لايختلف إطلاقاً عن الإحساس الجمالي الكلي بإشراقات الوطن وحبه والتبتل فيه، هو إحساس يمتزج بالوطنية ومايتفرع منها من مفاتن، فالنيل حين يزيد تمتلئ رئات عاشقيه بالموج، وحين تطرح الأشجار ثمرها الرطيب يزداد الناس حباً لهذا الوطن الحاضنه الذي يجمع بين الماء والثمر والضروع وطيبة الإنسان كأجمل ما تكون الأوطان. أنا مفتون بالسودان افتتان الأسماك الصغيرة بالماء العذب، مفتتن بذلك الإنسان الفريد الطالع من صلب التقاليد المرعية ومن ترائب اللبن والدم الذي لايصبح ماءً، لذا لا أفرّق بين عذوبة إنسانه وجماليات كُتاّبة هذا الإحساس لا يتوافر إلا لكاتب منزه عن الغرض وأنا أجزم أنني كذلك، ليس لي أجندة غير ميكانزم الكتابة ولها أتوافر بإخلاص. جرني سطر محمد لسطور كثيرة كتبتها مشيدًا بزملائي وسرني جدًا أنني حين كتبت عنهم لم أكن أعرفهم ولم أرهم عياناً وازداد سروري لكون بعضهم الآن صار في القمم العليا للكتابة، فأول من كتبت عنه وأنا في زمهرير كندا كان ضياء بلال كان ذلك عام 2001م وكنت أتخيله نحيفاً للغاية لكنه هشم ذلك الظن حين قابلني في مطار الخرطوم بكامل الامتلاء والبدانة والأسئلة السميكة، وكتبت عن الطاهر حسن التوم قبل أن تكتمل صورته في هيئتها الراهنة، وهي هيئة تسر الناظرين ثم أجزلت الثناءات والإعجاب الكبير بالأستاذة عفراء فتح الرحمن ولم أكن قد رأيتها وظللت أحادثها لعام كامل دون أن تتيسر لي ملاقاتها عين لوجه، غير أنها بذات الجسارة التي تطرح بها أسئلتها على (فريستها) في البرنامج قررت مقابلتي ودعوتي لغداء في مطعم نيلي أمدرماني ولأنها حشومة وتخشى القيل والقال استعانت بصحويحباتها من القناة ليكن مرافقات لها فمقابلتي في تقديرها تحتاج (لمُحرم) وجلست بينهن أحدثهن عن أسرار (لحم الشية) دون أن أتعرّض لسر أسئلتها الوضاحة. وكم سرني الأسبوع الماضي أن تفرد (الصيحة) إعلاناً تنبه فيه إلى احتكارها قلم الكاتب حسن إسماعيل فقد تنبأت بهذا الاحتكار منذ أمد. كتبت مشيداً فيما قبل بالشاب دقش وعلاء الدين وأشرت لرزانة ماجدة حسن في حقل يتطلب الإثارة وأشدت بها لكونها حاضرة دون تلك المساحيق. الإحساس بجمال الآخرين لا ينفصل عن الإحساس بجمال التربة الجمالية التي تطلع منها تلك الاغصان النابته فقد تغذّت من التراب الوطني واستمدت الهامها منه فالتراب أليف ورشيق بأحيائه. هذه مناسبة لأُنّبه الكاتب النضر الأستاذ خالد موسى بأنني انتظر زاويته الأسبوعية وأنا محاط بجمر الانتظار وفحيح اللهفة، فخالد يخاطب العقل مباشرة ويتسم بسعة فكرية وقدرة خلاقة في رص موصوفات الفكرة بمهارة الحاذق الذي يصل الدم بالكلمات. أشكر الكاتب اللاذع محمد عبد الماجد على هذا (الباص القصير) فهو يكتب أيضاً في الرياضة وأنا بي ولع ببرشلونة وتهافت الكرة بين قدمي ميسي وأرجو أن أكون قد مررت (باصه القصير) بكرة بينية.