بعد ارتدائه ثوب والده (الرمادي)... الحسن الميرغني.. خطوات تنظيم ..! تقرير: نبيل سليم منذ عودة نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل محمد الحسن الميرغني، إلى الخرطوم مؤخراً، عبر الخطوط الجوية المصرية القادمة من القاهرة ، بصحبة وزير مجلس الوزراء، القيادي بالحزب أحمد سعد عمر، ظلت تطارده الشائعات عن وجود تغيير كبير في مواقف نجل الميرغني المعروف بمعارضته بشدة لمشاركة حزبه في الحكومة، وأن والده نقل له صلاحياته كاملة، وسط توقعات بقرار وشيك بتعيينه رئيساً للحزب خلفاً لوالده الذي يقيم منذ أكثر من عام بالعاصمة البريطانية لندن..وعزز نجل الميرغني تلك الشائعات بتصريحات ومواقف، تجاه الشراكة مع الحزب الحاكم، وتوطيد علاقته مع ممثلي حزبه في الجهاز التنفيذي، الذين كان يناصبهم العداء في السابق، مقابل فتور واضح في علاقته مع القيادات المعارضة داخل حزبه. قمة التحولات مواقف الحسن من مشاركة حزبه في الحكومة معلومة للجميع، أبرزها رفضه المشاركة في الحكومة عقب توقيع حزبه اتفاقاً مع المؤتمر الوطني، مما جعل والده يضطر لتعيين شقيقه جعفر الصادق في منصب مساعد رئيس الجمهورية. وظل الحسن ، يطلق تصريحاته النارية عبر الأسافير على سياسات النظام وممثلي حزبه في الحكومة عقب المشاركة، أبرزها حين قال إن مشاركة بعض أعضاء حزبه في الحكومة لمصلحة شخصية ولا تأتي للشعب وجماهير الحزب بفائدة غير الأضرار، وحمل المشاركين في الحكومة مسؤوليتهم الشخصية التامة عن مشاركتهم وتابع " إن من يريد أن ينسحب لا يحتاج لقرار من الحزب لجهة أن مصيره بيديه وهو وحده الذي يتخذ قراره ". ومع مرور الأيام تبدلت مواقف نجل الميرغني، وتحول من خانة الرافض إلى المؤيد لمشاركة حزبه، وأخيراً موقفه من الانتخابات المزمع إجراؤها في إبريل العام المقبل، وبلغت هذه التحولات قمتها عندما اختاره والده ممثلاً للاإتحادي في مفوضية الانتخابات، ولم يكتفِ بذلك، وسرعان ما وجه الحسن جميع منسوبي حزبه بالتوجه إلى مراكز المفوضية القومية للانتخابات لتسجيل أسمائهم استعداداً للمشاركة في الانتخابات . وقال الحسن في تصريحات صحفية، إن الهدف من هذه الخطوة التجاوب مع روح الحوار الجارية الآن في الساحة، مؤكداً أن حزبه سيلعب دوراً متعاظماً خلال المرحلة المقبلة في عملية التداول السلمي للسلطة، لكنه عاد واشترط مشاركة حزبه في الانتخابات بموافقة هيئة قيادة الحزب وتفهمها حول أبعاد صيغة المشاركة، فضلاً عن وجود الضمانات الكافية بإعلاء قيم الشفافية والنزاهة والتماهي مع ملامح مبادرة الوفاق الوطني التي أطلقها والده. مجرد صدفة مراقبون فسروا دعوة الحسن لقواعد الاتحادي بالمشاركة في عملية التسجيل، بأنها موافقة مبدئية لمشاركة حزبه في الحكومة، عكس ما صرحت به قيادات اتحادية برفضهم الدخول في الانتخابات واضعين عدداً من الاشتراطات أبرزها "النزاهة، الشفافية، وتشكيل مفوضية جديدة بمشاركة الأحزاب". وكشفت مصادر اتحادية أن نجل الميرغني، التقى فور عودته إلى الخرطوم، بنائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب بروفيسور إبراهيم غندور، بترتيب من القيادي الاتحادي الذي يتمتع بعلاقات قوية مع قيادات الوطني، أحمد سعد عمر، وأشارت المصادر في حديثها ل(السوداني) إلى أن اللقاء بحث مشاركة الاتحادي في الحكومة، والاتفاق الموقع بين الحزبين، وأوضحت ان اللقاء كان مثمراً وتم الاتفاق خلاله على استمرار مشاركة الاتحادي في الحكومة والدخول في الانتخابات الرئاسية القادمة عبر شراكة اتفقوا على تفاصيلها، وسط توقعات بمنح الاتحادي 30% من مقاعد البرلمان ومناصب سيادية مع تعزيز الشراكة في الولايات. وفيما لم يتسنَ ل(السوداني) الحصول على تعليق من الوطني حول اللقاء، نفى القيادي الاتحادي علي السيد علمه باللقاء الذي التأم بين الحسن وغندور، وأضاف في تصريح ل(السوداني) "لم يتم إخطار مؤسسات الحزب بتفاصيل اللقاء". ولعلي السيد -المحسوب على التيار المناهض للشراكة مع الوطني- تفسير مغاير لقدوم الحسن مع أحمد سعد في طائرة واحدة إلى الخرطوم، وقال إن ذلك جاء في إطار الصدفة، مؤكداً أن الحسن لم يبدل مواقفه حتى الآن. انقسام وشيك غير أن قيادات اتحادية ذات ثقل، كشفت عن تغيير كبير في مواقف نجل الميرغني، لاسيما علاقته بمهندسي الشراكة مع الوطني خاصة أحمد سعد، الذي كان يعد خصماً له في السابق بجانب كبير خلفاء الختمية الخليفة عبدالمجيد، وترى أن مواقف نجل الميرغني الأخيرة، ستقلل من جماهيريته الكبيرة داخل الحزب خاصة وأن تياراً عريضاً داخل الحزب كان يعول عليه في إحداث الإصلاح المنشود، مما جعل عدداً كبيراً من شباب الحزب يناصرونه. ذات المصادر، ذهبت أبعد من ذلك، وتوقعت حدوث انقسام وشيك داخل الحزب العجوز، حال استمرار نهج الميرغني الابن، وتغوله على صلاحيات رئيس الحزب (والده) ومساندته لمجموعة المشاركة، التي تسعى لاستمرار شراكة الحزب في الحكومة وخوض الانتخابات القادمة. التغيير في مواقف الحسن مرده إلى أنه ولوقت قريب، كان يتزعم تيار الإصلاح داخل أروقة الحزب الاتحادي، وظل يسعى لإحداث تغيير استراتيجي في مفاصل الحزب التي قاربت شرايينها على التوقف، فهو كان يقود برنامجه الإصلاحي بهدوء مستعيناً بمجموعة من الشباب المدركين لدهاليز الحزب وتعرجاته، ويحظى بتأييد قطاع واسع من بعض قيادات الحزب خاصة الشباب، وبالمقبل كان هناك من يقابله بتحفظ وبعض العداوة، وجنحوا إلى إطلاق شائعات بوجود خلاف كبير بينه ووالده، لكن ذات القيادات الاتحادية التي كانت تناصبه العداء في السابق، أطلقت مؤخراً، شائعة مفادها أن الميرغني الأب نقل صلاحياته كاملة لنجله، الأمر الذي نفته قيادات اتحادية. حاجب الدهشة محمد الحسن المولود في الخرطوم بحري، حاصل على شهادة الهندسة في مجال علوم الطيران من إحدى الجامعات الأمريكية، شديد الولع بالتكنولوجيا وعالم الأسافير، ويُقال أن نجل الميرغني عقد لقاءً قبيل انتخابات الرئاسة في العام (2010) مع عدد من قيادات الحزب للتجهيز لحصر عضوية الحزب وتنظيمها بحكم تقلده مسؤول التنظيم في الحزب، وعقب التعارف مرر نجل الميرغني (استمارة) للمجتمعين لتدوين أسمائهم وعناوينهم من بينها البريد الإلكتروني، وعقب اكتمال دورة الاستمارة ووصولها له وجد نجل الميرغني أن كل المجتمعين لايمتلكون إيميلات، الأمر الذي جعله يرفع حاجب الدهشة، وتساءل موجهاً حديثه للمجتمعين من أصحاب الجلاليب البيضاء "كيف أتواصل مع أشخاص لايمتلكون إيميلات؟!".. التساؤل الذي طرحه نجل الميرغني غير شكل العلاقة مستقبلاً بينه وبين بعض قادة الحزب، ودق إنذار الخطر مما جعل بعضهم يفكرون في مغادرة الحزب، وبات لا يعتمد عليهم في عمله وسرعان ما استبدلهم بشباب، ومن يومها نشب خلاف بين نجل الميرغني وبعض قيادات الحزب، وصل حد أن تخلى بعضهم عن الحزب أبرزهم مجموعة أحمد علي أبوبكر (ساعد الميرغني الأب الأيمن وكاتم أسراره)، وانضمامهم للحزب الاتحادي بزعامة الدقير. أدوار الأبناء مقربون من آل الميرغني يرون أن محمد عثمان الأب، أعد نجله الحسن ليكون خليفته في الحزب مستقبلاً، وأن التغيرات في مواقف الحسن عربون لتقلد رئاسة الحزب، ومعلوم أن لكل من أبناء الميرغني دور محدد مثلاً: عبدالله المحجوب يرافق والده دائماً في رحلاته الداخلية والخارجية حتى في لقاءاته بالرئيس البشير، بينما كان نجله جعفر الصادق قبيل تعيينه مساعداً للرئيس يقوم بتلاوة خطاباته في المناسبات الرسمية، أما الحسن فلديه ميول سياسية ومدرك بتفاصيل الحزب، لكن الحسن ظل يرفض أن يطلق عليه البعض لقب (الرئيس القادم) ويرى أن رئاسة الحزب، يجب أن تأتي عن طريق الاختيار الديمقراطي والتدرج التنظيمي، بالرغم من أنه الأنسب داخل الأسرة لخلافة والده. وبينما يرى قطاع واسع من الاتحاديين أن رئاسة الحزب تليق بنجل الميرغني، وأنه الأنسب لتقلدها، يرى البعض أن ما يقوم به نجل الميرغني، الآن مجرد (سلم) يسعى للصعود به إلى سدة الحزب، وذكروا أن خبرته في العمل السياسي وعلاقته بجماهير الحزب غير كافية لتقلده منصب رئيس الحزب، كما أن دعوته للإصلاح مازالت حبيسة الأدراج وفي طور التنظير، وإن لم تكن كتب عليها الفشل، مستشهدين بحال الحزب الذي فشل في عقد مؤتمره العام لأكثر من ربع قرن. وفي حال التدقيق في منهج الميرغني الأب ونجله، نجد أن هناك خلافاً كبيراً بينهما في المنهج السياسي، حيث إن الأب يعتمد على كاريزميته وحب الجماهير له المستمدة من تزعمه للطائفة الختمية، لكن نجله اشتق لنفسه طريقاً مختلفاً ودائماً ما يرفض التعامل معه بحكم أنه حفيد السادة المراغنة. ففي الوقت الذي يعتمد فيه الميرغني الأب على (الكهول) في إدارة الحزب وطائفة الختمية، يرى نجله أنه لابد من استبدال القيادات (المكنكشة) على مفاصل الحزب منذ عقود، وضخ دماء شابة في مؤسسات الحزب وتنظيم صفوفه. خلاف الوالد والابن لكن قيادي اتحادي أشار إلى عرقلة بعض القيادات المقربة من الميرغني الأب لمساعي الحسن الإصلاحية، ومحاولة إحداث وقيعة بينه ووالده عبر إطلاق الشائعات.. وأشار إلى أن الخطوط مازالت متباعدة بين الحسن ووالده لكن الابن لا يتجرأ على مواجهة والده في العلن، ومضى القيادي الاتحادي الذي رفض الكشف عن اسمه قائلاً:"الحسن دائماً ما يعبر عن مواقفه الحزبية من خلال الصحف والأسافير والغرف المغلقة لأنه لا يستطيع مواجهة والده بتحفظاته على مجريات الأمور داخل الحزب ودعواته للإصلاح". وكثيراً ماتثار حوله الشائعات بأنه على خلاف مع والده حول كيفية إدارة الحزب وطائفة الختمية لكن التاريخ لم يشهد دخوله في مواجهة مع والده. غير أن المحلل السياسي أسامة النور يرى أن أسرتي (الميرغني والمهدي) ظلتا تتبادلان تقسيم الأدوار وتوزيع أبنائهما في المعارضة والحكومة واستشهد في حديثه ل(السوداني) بوجود جعفر الميرغني وعبدالرحمن المهدي في الحكومة ود. مريم المهدي ومحمد الحسن الميرغني في المعارضة. وحول شعبيته وسط الشباب، قال ذات القيادي إن البعض تفاءل عقب تعيينه رئيساً لقطاع التنظيم واعتبره المنقذ للحزب، غير أنه أشار إلى أن شعبيته ظلت تتراجع خاصة لغيابه المستمر عن السودان وعدم احتكاكه بجماهير الحزب، وأضاف "مايعيب نجل الميرغني أنه ظل يكتفي بإطلاق التصريحات النارية من الخارج، ويتخوف من المواجهة". عاصفة عاتية بيد أنه لم يستبن حتى الآن ما يوضح إذا ما كان "الحسن" قد بدل مواقفه حول قضية المشاركة في الحكومة من عدمه، أم أن الأمر يدخل في طور الخلافات بين مراكز القوة داخل الاتحادي، ويرى اتحاديون أن دهاقنة المشاركة في الاتحادي الأصل هم من أطلقوا العاصفة العاتية عن تبدل مواقف الحسن منطلقين من مفاهيم ترتكز على إرباك خطواته الإصلاحية وخطه السياسي القائم على ترتيب أوضاع الحزب عن طريق التنظيم والمنهج الديمقراطي، وتوقعوا اندلاع حرب تصريحات ومعركة حامية الوطيس بين تياري المشاركة والضد مع اقتراب موعد الانتخابات، وبالمقابل يبدو أن نجل الميرغني يدرك أهداف التيارين متدثراً بثوب والده (الرمادي)، فتارة يوجه جميع منسوبي حزبه بالتوجه إلى مراكز المفوضية القومية للانتخابات لتسجيل أسمائهم استعداداً للمشاركة في الانتخابات العامة في إبريل المقبل، وتارة يترك الباب موارباً دون الكشف عن مراميه صعود (السلالم) المؤدية إلى رئاسة الحزب.