ما الذي يجمع بين بروس لي ومحمد علي كلاي؟ في ما يخصني أقول إنه التزامن بين مشاهدتي فيلما وثائقيا عن نجم أفلام فنون القتال الصيني والأميركي والعالمي بروس لي وعيد الميلاد السبعين لكلاي الملاكم الذي دخل تاريخ الملاكمة والرياضة من أوسع أبوابه. في الفيلم بدا بروس لي كما هو ذات الشاب الرشيق الذي يلخص ولع جمهور السينما بالبطل وتعلقه به في جميع الحالات والمواقف. كان بروس على كل شفاة ولسان في أوساط مرتادي السينما في العالم. أتحدث عن الجمهور السوداني الذي قدر هذا الرجل وتعلق به وقلده كثيرون. حضر بروس لي في شوارعنا ومدارسنا ومعارك صغارنا وكبارنا حتى. مات بروس لي دون أن يعرف كم كنا نقدره. مات فجأة عام 1973 - مات شابا – في الثالثة والثلاثين من العمر، افلامه ابقته حيا لسنوات. فاجأني بروس لي بأنه كان صاحب فلسفة في هذه الحياة – حسبته مثل كثيرين مجرد مقاتل بارع وصبي رشيق يعرف كيف وأين يسدد ضرباته. ولأنه صيني على وجه التحديد كان لا بد له من خلفية ينطلق منها، كانت السيولة والانزياح – الكائن عنده يجب أن يكون مثل الماء أو السائل الأصل في هذه الحياة – كان يقول كن كالماء تتدفق دائما –تتمرد على القوالب – تفيض – تخضع أي حيز لسلطانك – الأكواب تنتسب إليك – والخيران والأنهار تحملك بعيدا لما فيه خير الناس – زاوج بروس لي بين قوة الماء ورشاقته – اضرب بخفة مع كامل القوة – دع عدوك يحتار في من تكون. كن كالماء عزيزا غزيرا قويا ناعما موحيا – ولد بروس لي في سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا الأميركية عام 1940 وعاد مع أسرته عندما كان في الثالثة من عمره إلى هونغ كونغ – لينشأ في وسط صيني ممتد ومتصل مع التاريخ والخبرات في مجال فنون القتال – عاد بروس إلى الولاياتالمتحدة ليدرس الفلسفة – ليرسخ مفهومه لقدرات الإنسان وطاقات جسده – لا تنسوا أن الفلسفة هي علم التمرد والغموض ومحاولات الفهم. درس بروس لي ومثل لكن الموت فاجأه ذات يوم من عام 1973 وهو في عنفوان الشباب. بخصوص عيد الميلاد السبعين لمحمد علي كلاي – ظهر الرجل وهو يرتجف ويصطك تحت وطء مرض الشلل الرعاش– كلاي يرتجف بالكاد يفهم ما يجري حوله رغن أن القاعة غصت بمئات الأشخاص الذين جاءوا خصيصا لتحيته في هذا اليوم. هي القصة نفسها – شباب وفتوة وانزواء وانهزام أمام المرض والشيخوخة – البايولوجيا أصدق العلوم وأقربها إلى الواقع – كلاي من صال وجال في حلبات الملاكمة وحلبة القناعات والإيمان والسياسة– اعتنق الإسلام في بداية مشواره الرياضي رفض أداء الخدمة العسكرية إبان حرب فيتنام وما أدراك ما فيتنام وحربها – نشط في مجال حقوق الأقليات تماهى مع حراك الستينات والسبعينات – نشط خارج الحلبة أيضا – كان رمزا يحتفى به ويحسب له ألف حساب. لكل من يحمل في ذاكرته لمحة أو لحظة من أمجاد بروس لي ومحمد علي كلاي - أقول إنها الحياة – سنواتها الأولى – شبابها وما يسجل فيه – وخريفها الذي يفرض نفسه – لا تنسوا بروس لي ليس لأنه مقاتل ماهر ولا كلاي لكونه أشهر الملاكمين في التاريخ بل لأنهما ناضلا وتحديا روح التمييز ضد السود والآسيويين في أميركا الستينات وما قبلها – تحديا كل هذا اجتهدا – ناضلا – تدربا بقوة وكثافة – حملا جسديهما ما لا يحتملان – مات بروس لي بنزيف نادر قال الأطباء أنه يصيب من يفرطون في أداء التمارين الرياضية – اضطر بروس لي للتغذي على مزيج من اللحم والبيض والحليب – كانت الخلاطة لا تفارقه أبدا – ومثله تماما كان كلاي الذي وضع رأسه في خدمة لكمات الخصوم مثلما كانت يده تسدد على رؤوس خصومه حتى أصابه الشلل الرعاش.