نصف الكوب الفارغ لحادثة وفاة مرضى نقص الأوكسجين بمستشفى بحري لا أحد تطرق له، ولا حتى وزير الصحة بولاية الخرطوم الذي سارع بإقالة المدير الطبي لحوادث بحري دكتور محمد عثمان دقنو.. الوجه الآخر هنا ليس في الإهمال الذي أودى بحياة ثلاثة من أبناء الوطن.. والإهمال الذي رآه كثيرون ومن ضمنهم الوزير د.مأمون حميدة يقع تحت مسؤولية د.دقنو هو أكبر من ذلك بكثير وأخطر من مجرد إطاحة بمدير لا حول له ولا قوة.. المشكلة والكارثة التي يعلمها الوزير قبل علمنا بها في سياسة الدولة تجاه الصحة، صحة المواطن، بند الصحة في الموازنة يقل عن 10% وذلك لأن الدولة نفضت يدها بشكل شبه كامل عن هذا القطاع.. المستشفيات الحكومية الكبيرة داخل المدن الكبرى في كل الولايات تعاني من ميزانية التسيير أو تكاد تكون معدومة.. المرضى فئتان في السودان فئة تستطيع إن أصابها صداع أو نزلة برد أن تهرع إلى طوارئ المستشفيات الاستثمارية حيث يتناولك أحد أفراد العلاقات العامة ويوصلك إلى وجهتك الصحيحة، الفئة الثانية هي السواد الأعظم من الشعب الذي أمامه خياران إما المستشفيات الحكومية أو العلاج البديل الذي يبدأ بالاعشاب وينتهي بنهاية حياة المريض. حادثة وفيات بحري تجسيد للخلل والفساد اللذين أحاطا بالقطاع الصحي، فحتى مستشفيات الفقراء أصبحت تحت رحمة أصحاب البزنس والتجار، فعلي الرغم من وجود جسم عريض اسمه الإمدادات الطبية مهمتها الرئيسية توفير وإمداد المستشفيات الحكومية بحاجتها من الأدوية والمطلوبات لكن ولتكريس ظاهرة الخلل الإداري يسمح لجهات خاصة بتوفير الاحتياجات كما حدث لإمداد مستشفى بحري من الأوكسجين عبر شركة شقيق أحد المتنفذين في وزارة الصحة يوفر أو يقطع الإمداد حسب السوق وحسب جني الأرباح. وفاة ثلاثة مواطنين بتلك الطريقة اللا أخلاقية يجب أن تكون سبباً في إقالة وزارة الصحة، خاصة مع بيانها الهزيل الذي حاولت عبره أن تبرئ منسوبيها من تلك الجريمة، كان بالإمكان المزيد من التحقيق والتقصي وكان من الممكن أن تفصح وزارة الصحة وتكشف الخلل للرأي العام حتى ولو كانت الوزارة نفسها جزءا من ذلك الخلل. إبراز القصور صدقوني يجد القبول والاحترام من الناس وليست محاولات التستر على القضايا وعلى الأشخاص على طريقة بيان وزارة الصحة بولاية الخرطوم. لا أعرف لماذا اختار مدير المستشفى أن يكون الضحية هنا دكتور محمد عثمان دقنو مدير الطوارئ بإعلانه بأنه أقال الرجل، دعونا نصدقه بأن د.دقنو لم يتقدم باستقالته فلماذا يقال؟ هل كانت أمامه أسطوانات الأوكسجين متوفرة لكنه كان نائماً في بيته وأصدر تعليمات بعدم صرفها للمرضى؟.. هل مهمة د.دقنو شراء وتوفير المستلزمات العلاجية أم استخدامها بإخراجها من المخازن وصرفها للمرضى؟ لكم أن تتصوروا مدى استهتار المسؤولين بالعمل العام.. المدير يعلق على طلب توفير المستهلكات الطبية الذي تقدم به مدير الطوارئ "من أين لي بالدفع؟.. وشكراً" ثم يأتي المدير نفسه ويقيل صاحب الطلب بتهمة التقصير.