لم يكن سجود اللاعبين، شكراً لله تعالى عقب إحرازهم هدفاً، أمراً مألوفاً من قبل، لكنه بدأ يبدو سنة كروية واجبة في الملاعب العربية والإسلامية خلال العقد المنصرم. كان للاعب المصري (أبوتريكة) هذا الفضل وتلك الريادة التي حولت الظاهرة لواجب مقدس، وزاد في رسوخها أن الملاعب المصرية لا تضم لاعبين مسيحيين، فأنا طوال مشاهداتي للمباريات المصرية لا أتذكر لاعباً مسيحياً واحداً ضمن المئات الذين نتذكرهم بدءاً من الشاذلي، نجم الستينيات، حتى شيكابالا، نجم الزمالك الذي أُحب طريقة لعبه كثيراً. لم تكن مشاهدة الدوريات العالمية متاحة على نحو ما هو متاح اليوم، لذا من الصعوبة استقصاء تاريخ الشكر فيما مضى، لكنني أذكر أن الأستاذ الفذ، مأمون الطاهر، كان يقدم فقرة (الرياضة العالمية) من تلفزيون السودان عبر لقطات قصيرة يختارها لأجمل أهداف الأسبوع في الدوريات الأوربية المختلفة، وكنت ألحظ أن اللاعب الذي يحرز الهدف يحرك يده اليسرى على صدرِه وفِيِهِ، في سرعة شديدة، دلالة على شكر الله. وقد حدث أن لاعباً سودانياً في السبعينيات أحرز هدفاً وقام بعمل نفس طريقة الخواجات في الشكر، وفات عليه أنها طريقة المسيحيين. وتعرض اللاعب في اليوم التالي لانتقادات عباقرة الصحفيين الرياضيين، أذكر منهم إن لم تخنِّ الذاكرة الأستاذ الراحل عمر عبد التام وميرغني أبو شنب أطال الله عمره وعطاءه السخي. توطَّد هذا التقليد واستقر في الملاعب السودانية، فعقب كل هدف سجدة في اتجاه القبلة، الفرق بين هذا التقليد في الملاعب السودانية والملاعب الأخرى أن السجدة لا تقتصر على اللاعب الذي أحرز الهدف بل تعم كل اللاعبين في صف مرصوص. ولاحظت أن حارس المرمى يسجد أمام الشباك في اتجاه الشرق. أذكر ذات مباراة للمنتخب القومي أمام أحد الفرق الإفريقية أن كل اللاعبين والاحتياطي سجدوا سجدة طويلة حتى تساءلت هل هذه المباراة منقولة من إستاد الخرطوم أم من مسجد (سيدة سنهورى)؟! نحن نتفرد في كل شيء.. في الفرح والحزن والهمة والتوسل لرب العالمين. في الملاعب الأوربية لم تكن هذه السجدة مألوفة، لأنها تقليد إسلامي، لكنها بدأت الآن مألوفة منذ سنوات لارتباطها باللاعب المسلم الفاعل في تلك الملاعب، يسجد (كانوتي) اللاعب المالي الذي لعب لفريق إشبيلية وكان مهاجمه الأميز الذي تنعقد على قدميه معظم انتصارات الفريق. وفي إنجلترا يسجد (يايا تورية) المسلم الإفواري وأميز لاعبي خط وسط (مانشستير سيتي). وكان آخر سجدة سجدها في ملعب الأمارات الشهر الماضي حين أحرز هدفا أسطورياً في مرمى (سوانزي سيتي). في الملاعب الفرنسية يسجد اللاعبون الجزائريون والتونسيون وبعض مسلمي غرب إفريقيا، ويسجد في الدوري الإيطالي سلمان مونتاري الغاني المستقر على العقيدة الإسلامية وأحد أبرز نجوم (آي سي ميلان) المملوك لرئيس الوزراء الإيطالي الأسبق. في الدوريات الآسيوية يسجد معظم اللاعبين. وفي الدوري الصيني (لم ينجح أحد)!. الأمر لم يقتصر على السجود فقط، بل امتد للدعوة الإسلامية، ففي الشهر الماضي اعتزل اللاعب الفرنسي الكبير (اريك ابيدال) كرة القدم وقام ببيع 20 سيارة من مختلف الماركات ووزع عائدها على المساجد والمنظمات الإسلامية، وانتقد المجلة الفرنسية التي تسيء للرسول الكريم. وفي مقابلة معه أوضح أنه اعتنق الإسلام على يد اللاعب (سيدوكيتا) حين كانا يلعبان معاً لفريق برشلونة. فيما أسلم أيضا لاعب بايرن ميونخ فرانك ريبري وتزوج لبنانية (محجبة).. ونعم بالله. ما دعاني لكتابة هذا العمود سجود لاعب امليتكو مدريد (فرناندو توريس) الذي أحرز هدفاً بعد 30 ثانية من انطلاقة المباراة وهرول مذهولاً وسجد! المدهش أن توريس مسيحي كاثوليكي ولا يعتنق الديانة الإسلامية، كانت سجدته موضوع الصحافة الرياضية الإسبانية هذا الأسبوع، غير أنه لم يرد على أي تعليق.. بما يشي بأنه على طريق أريك ابيدال.