:: كان الآباء يتقاسمون عشق أغاني محمد وردي وعثمان حسين وإبراهيم عوض وغيرهم (بلا تطرف)، ولكن الأبناء اليوم يتقاسمون عشق أغاني محمود عبدالعزيز وطه سليمان وأحمد الصادق وغيرهم (بتطرف)، أي بتفضيل أحدهما على الآخرين أو الإعجاب بأحدهم وشتم الآخرين.. وبذات سجالهم الرياضي الساخر حول أداء الهلال والمريخ ونتائجهما في المحافل الإفريقية والعربية، يتساجلون أيضاً بسخرية في أغاني وألحان وأداء المطربين.. وذات مساء، بنادي القرية، لم يعجبني هدوء الآباء على (طاولة الضمنة)، فتعمدت إثارة سجال الأبناء الصاخب، وسألتهم: (هسة الغناي أحمد الصادق ولا طه سليمان؟)، فرد أحدهم سريعاً: (والله أحمد ده لو حلق شعرو تاني مافي زول يسمعو)، أو هكذا اختزلت سخرية الشاب كل موهبة المطرب وجهده في شعر رأسه، ومن هنا اشتعل السجال..!! :: وعلى ذات النسق، ولكن بجدية وليس ساخراً كما الشاب، لو احتجبت أغاني السر قدور الموسمية ومراجعات الطاهر التوم التوثيقية لن تجد قناة النيل الأزرق مشاهداً غير بعض العاملين عليها.. (قناة سطحية)، وغير مؤثرة في تشكيل الوعي وزيادة المعرفة، ومع ذلك نقرأ صخباً صحفياً حول بعض التغييرات التي أجراها مجلس الإدارة لإصلاح حال القناة.. وما فات على هؤلاء الأحباب هو أن وجدي ميرغني أراد أن يشتري قناة فضائية، وتفاجأ -بعد دفع المبلغ- بأنه اشترى حزمة أغاني وإدارة فاشلة وقناة خاسرة وفيالق من العمالة.. وليس من العدل، ولا العقل، أن تغرق أموال ميرغني في ذات آبار الفشل والإهمال التي غرقت فيها أموال صالح كامل.. ولذلك، كان التغيير الجزئي من أجل بعض الإصلاح.. وأخطأ مجلس الإدارة بهذا التغيير الجزئي، كان يجب أن يكون شاملاً وجذرياً..!! :: وفي لقاء إعلامي، قلتها لرئيس مجلس الإدارة، وجدي ميرغني، وليس هناك ما يمنع الإعادة.. عليك أن تبدأ المرحلة بثلاثة محاور في غاية الأهمية.. أولاً، يجب مراجعة الأداء المالي والإداري للقناة طوال السنوات الفائتة بواسطة مراجعين وخبراء الإدارة.. ثانياً، يجب أن يصدر مجلس الإدارة قراراً بحل الإدارة وإلغاء الوظائف -من المدير للخفير- ثم يبدأ التأسيس المهني والمتكئ على النظم الإدارية الحديثة من (الصفر)، وخاصة أن الهيكل الإداري والوظيفي بالقناة حالياً عبارة عن (لمة ناس في بيت عرس).. وثالثاً، بما أنها قناة منوعات، فالرهان في الإنتاج يجب أن يكون على شركات الإنتاج الفني (المالية البلد)، وليس على الترهل والتكدس والزحام غير المنتج بالقناة..!! :: هكذا كان المقترح لرئيس مجلس الإدارة، ولكن يبدو أنه -كما سادة الحكومة- من الذين يتوجسون من التجديد الكُلي والتغيير الجذري بغرض الإصلاح الشامل، ولذلك اكتفى بتغيير مديرين.. البرامج، والمالي والإداري والتسويق، وما هذان إلا جزء من الكل الذي يجب تغييره لتتجاوز القناة محطة الأغاني والبرامج الإعلانية إلى ما هو (أعمق).. والمهم، لم تعد للحكومة في أسهم قناة النيل الأزرق إلا (20% فقط لا غير)، وهذا بمثابة مال عام مهدر، وعلى الحكومة التخلص -من هذه الأسهم الخاسرة- لصالح المدارس الآيلة للانهيار أو المشافي التي تفتقر إلى حضانات الأطفال.. وبعد ذلك، يصبح أصحاب الفضائية الخاصة أحراراً في إدارة أموالهم الخاصة، يستثمرونها في قناة النيل الأزرق أو يرمونها في قاع (النيل الأزرق)..!!