إن القرآن الكريم كتاب واحد يشمل (العقيدة ، والتشريع، و الغيبيات )لا نملك معه أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر بالبعض الآخر ..بل أن التشريع هيكل متكامل وقد احتوى على (6200)آية لا تتجاوز آيات الأحكام فيها (30)آية وغالبية آيات الأحكام تتعلق بشؤون الأسرة والقليل منها بالميراث والعقوبات عن الجرائم الكبرى وثلاث آيات عن المعاملات، وفي المقابل فإن حوالي (600)آية تحض على العدل والعمل الصالح والعطف على الفقراء، وعلى هذا فإن الرسالة الأساسية للقانون الإسلامي هي الأهداف الروحية وعلى عكس القانون الوضعي الذي يدخل هذه الأهداف في العدالة الطبيعية، لا نملك في النظام الإسلامي أن نرسي بعض القيم الإسلامية المهمة وننسى قيم أخرى راكزة لأن ضرورات السياسة الدهرية قد قضت بذلك ونحن ندعي تطبيق الدستور الإسلامي، ولإثبات دعوانا هذه نعود إلى الحديث حول الفترة القانونية التي تلت الاستقلال، لنقول بأن النظام القانوني في السودان كان معافى وقابلاً للتطور إلى قانون إسلامي. ولكن الأحداث اللاحقة أدت إلى تغيير جوهري فيه ..ففي المرحلة المبكرة من حكم نميري الذي كان متأثرًا بتوجهات القومية العربية ، سارع إلى دعوة عدد من المصريين فأعدوا مسودة قانون مدني شبيه بالقانون المصري، وكان هنالك تناقض للواقع في نصوص هذا القانون، وقد تبين بعد فترة قليلة من إصداره عام 1971م أنه لا يتناسب مع الوضع في السودان ..وإلا فكيف ألغي بعد عامين وكونت لجنة أخرى من قانونيين سودانيين وكانت نتائج توصياتها إصدار قوانين العقود والوكالة والبيع والتي كانت تتناسب مع متطلبات التطور والتحديث للنظام القانوني الذي كان سائدًا قبل الاستقلال ..فإن أردنا أن نقيم التشريع نافعاً لهذا الزمن..فلنمعن النظر في واقعنا الذي نعيش فيه،وفي مدى تطابق ما يصدر من قوانين مع هذا الواقع، وحسبنا أن نقيم البرهان على أن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان .. وفي منتصف سبعينيات القرن الماضي انتهج نظام مايو نهجاً إسلامياً،فتبنى أسلمة النظام القانوني، وأصدر قانوناً ألزم المحاكم بتفسير التشريع بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية، وتطبيق أحكام القرآن والسنة والسوابق التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية، ورغم إدخال العقوبات الحدية والقصاص في قانون العقوبات لسنة 1983م كان تعبيرا جوهريا في نظام العدالة الجنائية في السودان إلا أن تطبيقها نجم عنه مفارقات كبيرة لمفهوم العدالة في الإسلام ،فإذا اقترن التطبيق بظلم من أي نوع ، فذلك يعني بشكل مباشر تغييب جوهر الشريعة الإسلامية ومقصودها ، وحسبنا من مقالنا هذا أن يكون بنانا تومئ إلى عظمة التشريع الإسلامي الذي يبسط العدل، ويحمي الضعيف؛ ويجازي الظالم ، ويختار الأصلح والاكمل الذي يدين به كل إنسان ولا يدين به المسلم وكفى ،وقد نزلت النصوص القرآنية أصلا لكي ترسي تلك القيم في المجتمع الانساني وتزكي كل ما هو نبيل وشريف على وجه الارض . فان البنان أقدر على الإشاره، وافضل من عجز المحيط طاقة المشير، فاذا كان البعض لايهمه كثيرا امر الدين ، فان التشريع القرآني يستقيم به أمر الدين والدنيا التي هي غاية هم البعض ومبلغ علمهم! بقلم/عبدالرحيم المبارك علي هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته