سائرا بين التفاصيل اتكأت على مياه فانكسرت أكلما نهدت سفرجلة نسيت حدود قلبي والتجأت إلى الحصار كي أحدد قامتي يا أحمد العربي لم يكذب علىّ الحب لكن كلما جاء المساء امتصي جرس بعيد (محمود درويش،، من قصيدة أحمد العربي) برحيل حفيد المتنبي تدخل القصيدة العربية فترة من الحداد، ليس يعلم متى تنتهي، فالرجل ما كان شاعرا كبيرا فحسب، كان الشاعر الذي زوّج المستحيل بالممكن في الشعر، فأنجب لغة شعرية ممكنة لكنها في الواقع تقارب المستحيل، لقد ولدت قصيدته في مكان، ونمت في مكان لكنها أينعت في كل الأمكنة !! كتيب صغير صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية في ذكرى رحيل محمود درويش حرره عبد الإله بلقريز وشارك فيه منير العكش، فيصل دراج، محمد جمال بارود، مارسيل خليفه، محمد دكروب، فخري صالح، والشاعر شوقي بزيع، وعادة ما تكون المساهمات في مثل هذه المناسبة حميمية وشخصية تلامس الشخص والصلة به دون أن تتطرق بإسهاب إلى أثره الفني، لكن المدهش أن جميع المقالات التي حواها الكتيب ابتعدت عن هذا التقليد وكشفت أبعادا جديدة برؤى نقدية مضيفة وتقدمت على معظم الدراسات التي كتبت أثناء حياة محمود درويش. دلالة الأرض في قصيدة متحولة كانت تلك مساهمة الدكتور فيصل دراج الذي ذهب إلى أن درويش ولد في بلد يسير من اغتصاب إلى حصار فقادته هاتان الولادتان إلى قصيدة طويلة ثابتة الموضوع ومتحولة المنظور تجمع بين غربة المنفى وخبرة الكتابة المتراكمة لذا تحتشد في عناوينه الكلمات التالية:- ولاء، بكاء، أمل، مرثية، كفن، موت، منفى، صمود، حزن، غضب، وتنتهي ببطاقة هوية. أما محمد جمال بارود فيقسم درويش لثلاث مراحل عبر مزاوجة الرمز الديناميكي والرمز التعبيري، المرحلة الأولى هي مرحلة الشاب وترمز لها قصيدة (سجل أنا عربي) وتتسم هذه المرحلة بالطفولة التعبيرية والغنائية وحيوية الرموز المألوفة أما المرحلة الثانية فتلك التي دشنتها مجموعة (أحبك أو لا أحبك) وتحديدا قصيدة (سرحان يشرب القهوة في الكافتيريا) واستمر الشاعر يثري تلك المرحلة ويعمقها، أما المرحلة الثالثة والأخيرة فهي مرحلة درويش الشاعر المتكامل وهي التي برز فيها كشاعر كامل الانتماء إلى حركة الحداثة العربية لكنه كان الوريث الوفي لروح الشعر العربي الكلاسيكية.