بقلم : محمد الطاهر العيسابي هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته -1- امرأة من نوع ( فريد ) ، ولدت في المدينة وعاشت في القرية ، فنالت حظها من الحضارة والأصالة ، تحدثك لاتمل حديثها ، تجالسك تتمنى أن لاتنصرف ، عفيفة بلاحدود فهي تعف أن تطلب حتى من أبنائها ، خوفاً أن لاترهق كاهل أحد ، رقيقة المشاعر كنسمة باردة تهب في صيف قائظ ، تجفف العرق ، وتمنح الجسم طلاوة وطراوة ، تحمل هم غيرها أكثر من نفسها فهي مسرفة في ( الإيثار ) إلى حد أن تقسو على نفسها لإسعاد الآخرين . ودودة وصبورة لحد بعيد ، تقلبت بها الظروف وتبدلت ، فكانت هي كما كان ، ثابتة لاتتزحزح عن قيمها وأصالتها ، ولم يخفت بريق معدنها ، تحمد الله على ( الفي والمافي ) ! -2- ولما كان وراء كل رجل عظيم إمرأة ، فقد كانت بحق عظيمة ، تسند ظهر زوجها ، لم تكل ولاتمل رغم الرهق والعنت ، فأن تكون زوجة لرجل وقته ليس ملكه ( وقف ) لغيره ، وهب نفسه للعمل العام دون مقابل أو مصلحة أو استوزار ، الوفود تحل بداره وترحل في أي يوم وأي ساعة دون موعد ، إن هذا لأمر صعب ، ولكن ( آمنة ) لاقته بكل رحب وسعة ، بل أحياناً تسأل عندما يطيل مجيء الضيوف ، سعادتها تستمدها من سعادة زوجها . قالها يوماً قبل وفاته ، وقطرات دمع تسيل على وجهه الوضيء الوقور ، وكنا وقتها جميع أبنائها من الشاهدين ، قالها بصدق و حزن وكأنه مودع ( اللهمَّ إني قد رضيت عن آمنة فأرض عنها ) . كان يجلها ويقدرها ويشاورها ( رحمه الله ) ، ويضرب لنا المثل والقدوة ! لا أذكر أن والدي خطى خطوة و كانت والدتي غائبة أو مغيبة عنها ، يسألها وعندما تنصحه ، بما لايروق له ( يتبسم ) ، كما كانت هي الأخرى حاضراً في قلبها وعقلها على الدوام في حياته وبعد الممات ، تعلمنا منها كيف نضحي من أجل من نحبهم ، ونقدر الزوجات و نبرهم . -3- سافرت خارج السودان ، ووجدت ما يطيب من المطعم والمسكن المترف ورغد العيش ، ولكن نفسها لم تطاوعها أن تنعم بعيدة عن زوجها ، دون أن تجاور قبره بالسودان ، تقديراً وإجلالا وبرا به حتى بعد الممات ، فطلبت أن تسافر في عجالة قائلة ( رأيت والدكم في المنام قد سأل عني ولم يجدني ) ، وعندما ألحت عليها بناتها ، دعت الله ( سرا ) أن لا تجدد زيارتها وقد كان ! -4- إنها والدتي المعززة الغالية ابنة الجد الزعيم التي لا تقرأ ولا تكتب ، ولكنها مشبعة بالحكم والقيم ، تقول لنا : لاتضمروا في نفسكم تجاه خصومكم ( ولاقوهم بالنية البيضاء والملح والملاح ) وتدعو لنا ( الله ينجيكم من قطاع الطريق والنصيب ومن الطير الطائر والدم الفائر والشر الحايم ) ، تلقانا هاشه باشه وتطلق ألقابها الحنينة والمرحة والطريفة أهلا يا ( أب جيبين ) وأهلا ( يا سيد البيت المابتقول أديت ) وعندما تفرحها تردد ( سي فوقو ، وكدي فوقو ) ، إنها آمنة بت حسن كما يحلو لجاراتها الاسم ، لم تشكو لنا يوماً ضيقاً أو ألم ، ولم نلاق منها زجرا أو لوما ، تحدثها وكأنك هبطت لها من السماء ، وتسألك عن أبنائك وزوجتك ثم تردف ( واحلاتي يا يمه ان شاء الله تضوقوا حلوهم ويبعد عنهم الشر والضر ) ، ثم تختم ( عافي منكم وراضي عليكم عفو الحياة والممات ) ، التحية والتقدير لأمي ( بت حسن ) ، والتحايا و الإجلال لكل أم ، متعهن الله بالصحة والعافية ، وحفظهن من كل شر . إلى لقاء ..