الإبل في نيالا.. مكانة اجتماعية ورصيد (اقتصادي) نيالا: محمد حمدان في الضفة الجنوبية من وادي (برلي) بنيالا، أنشأ بشير محمد عبد القادر، وآدم يونس، مزرعة تُعنى بتربية الإبل وتسويق ألبانها. وبعد مضي أشهر قلائل أصبحت مزرعتهما أحد المعالم البارزة في المدينة، وباتت ترفد السوق بمنتجات ألبان الإبل، وبالطبع القصة لا تكمن في المزرعة، وإنما في التفكير الخلاق والمبدع لاستثمار يدرُّ مئات الجنيهات في اليوم بتكاليف بسيطة. دعوة مميزة: بدعوة من صديقيَّ نحوله علي وحسين عبد الله، توجهنا إلى مزرعة عبد القادر، وقد كانت أولى ملاحظاتنا نظافة المكان وحوض المياة الممتلئ، والمسجل القديم ماركة (ناشيونال) الذي يصدح منه الفنان الراحل وردي برائعته (القمر بوبا). علامات الابتسام والرضا ارتسمت على وجه محمد علي إبراهيم وكيل المزرعة وأبنائه، والذي هبَّ إلينا هاشاً باشاً، واستقبلنا بحفاوة، وسرعان ما قدم لنا (لبناً طازجاً) قبيل أن نرسو على (عنقريب) معروش من جلود الماشية وحطب الأشجار. إنشاء مزرعة: يقول إبراهيم وكيل المزرعة ل(فلاشات) إنهم فكروا في كيفية تغيير نمط حياة الرعي بعد اشتداد العنف في دارفور، عبر اتّباع أساليب حديثة تؤدي إلى تقليل الماشية مع تكثيف الإنتاج الفعلي لجهة تضاؤل مساحات الرعي، مشيراً إلى أنهم اشتروا مزرعة بسعر 200 ألف جنيه على شاطئ وادي برلي جنوبي مدينة نيالا، وأنشأوا فيها مزرعة فواكه لزراعة كافة أشجار الموالح وتخصيص الجزء الآخر منها لتربية الإبل (نوق) للألبان، وعددها حوالي عشر نوق حلابة، تتوسطها أربعة عشر بعيراً، وقد درجوا على استجلاب العلف (الأمباز والذرة وتبن الفول) للتغذية. أرباح ومصاريف: إبراهيم يضيف أنهم يقومون بحلب الإبل صباحاً ومساءً وتبلغ إنتاجيتها 2 جركانة في الصباح، ومثلها في المساء، والجركانة تحتوي على 38 رطلاً من اللبن، تباع بسعر محلي 5 جنيهات للرطل، بينما في داخل المدينة يتراوح الرطل من 6 إلى 7 جنيهات، مشيراً إلى أن دخلهم اليومي يبلغ 800 جنيه، لكنه يقول إن تكاليف العلف مرتفعة بعض الشيء فسعر الأمباز يبلغ 220 جنيهاً والذرة 180 جنيهاً. (بول) الإبل: إبراهيم ووفقاً لقوله، فقد تنامت أعداد زبائنه الذين طالبوه بتحصيل (بول) الإبل، لإسهامه في معالجة بعض الأمراض، وأصبح رواده يقدمون في فترات المساء ليشتروا اللبن ويحملوا بول الإبل في قوارير. فكرة الرجل تحمل في طياتها تجربة جديرة بالاحترام والدراسة، عن إمكانية استخدام وسائل إنتاج كثيفة العائد والربحية، والأكثر علامات السرور والراحة التي تكتسيه وهو يعزف على وتر الربابة. المزرد عاجن: عرجنا مع إبراهيم إلى عوالم الإبل كثروة حيوانية وفوائدها وكموروث ثفافي ارتبطت به حياتهم، فقال إن لهم علاقة حميمة بالإبل وخاصة الناقة منذ أجدادهم، فهي - على حد تعبيره - ساترة للمحن وجبارة للكسور والخواطر ومكافحة للقماح. ويضيف: (فيها نركب ونشرب ونتزود وهي رمز للعزة والقوة والشموخ)، مشيراً إلى أنهم يعزون النوق البكر والحلوب كما يدللون بناتهم الجميلات. وفي ذات السياق نجد أن مضامين الشكر والارتياح للإبل حاضرة في حياتهم وترحالهم، فيقول الشاعر والمثقف المهتم بتتبع حياة الإبل ورعايتها محمد أحمد عبد الرحمن بليلة -المشهور ب(حمودة)- يقول في مقطع أبيات يلخص حياتهم وحبهم للإبل، خص بها (فلاشات): (ليالي زنقة والواقوق والمتوربة عجاجن...داك زمني البدكك سرجة فوق قجاتن...كن حرا نقضيهن سجون...عقبال نشوف أفراجن...وكن بردا مصاريف للمزرد عاجن...حليبك لزة يا ام كونيب جمالك فاتن...سيدك مكانتو رفيعة عند المزرد عاجن...ليالي زنقة والواقوق والمتوربة عجاجن). ويقصد الشاعر بالمزرد عاجن (البنات الجميلات). والكلمات أعلاه تكشف عن مدى عميق المخاطرة التي تحيط بسعاة الإبل وهي مغامرة حياة ممتعة وكما أنها مزيج بين الألفة والبساطة