ماذا يعني تراجع نسبة مساهمة تحويلات السودانيين إلى أقل من 1% في الدخل القومي للبلاد مقارنة ب6% خلال العام 2003م، وماذا يعني أن يكون جهاز المغتربين مجرد جهاز يجبي ما في جيوب المغتربين من مدخرات (كزكاة وضرائب وخدمات وغيرها)، حتى يحصل المغترب على خلو طرف وتأشيرة خروج مرة أخرى إلى مكان عمله، وهكذا تستمر جباية الجهاز لأمواله كل عام حتى يتوفاه في غربته، أو يعود إلى بلده وقد أنهكه المرض واشتعل رأسه شيباً وتقوَّس ظهره، دون أن يجد أي عون يذكر من الحكومة التي أكلت لحمه ورمت بعظمه، هل السبب في تضاءل تحويلات المغتربين إلى السودان هو وجود سعر موازي للدولار يفوق سعره الرسمي ب50%، أم هناك أسباباً أخرى أدت إلى عزوف قطاع المغتربين عن تحويل مدخراتهم إلى السودان للمساهمة في تنميته؟. المغتربون في أصقاع الدنيا الأربعة كثيرون جداً، وليس لجهاز المغتربين إحصائية دقيقة لهم وهذا فشل آخر للجهاز الذي ظل طوال عمره المديد لا يهتم إلا بالجباية والجباية وحدها، حتى أن المغتربين لا يدخلون مبانيه إلا مجبرين مرغمين؟ هل يستطيع مغترب واحد أن ينال تأشيرة من دون أن يدفع ضرائب وزكاة وخدمات وبطاقة خدمة وطنية إلخ؟ بالطبع لا، لذلك فالعلاقة بين المغترب وجهازه علاقة سيئة ومتوترة دائماً، المغتربون لا يقومون مطلقاً بتحويل مدخراتهم إلى أهليهم في السودان عبر الجهاز المصرفي كما قالت الأممالمتحدة بذلك، بينما دول عديدة من حولنا تستقبل مليارات الدولارات كل عام لأن حكوماتها تقدر عطاء أبنائها في الخارج تعرف قيمة تحويلاتهم المالية ومساهمتها في دعم اقتصاد تلك البلدان، السودانيون في دول الخليج و أوربا وأمريكا وكندا وأستراليا بدلاً من التفكير في شراء شقة أو بناء بيت عادي في السودان يذهبون إلى القاهرة لشراء شقة فيها، بل منهم من يستثمر في دول إفريقية لعدم ثقته في قوانين وظروف الاستثمار في السودان، حيث أن ثقة المغتربين بالنظام المصرفي والاستثماري قد اهتزت منذ زمن بعيد. الحكومة لا تعتبر السودانيين سوى بقرة حلوب أو ديك يضع لها البيض، غير ذلك لا تهتم بهم، ليس للمغتربين في السودان أي مشروع يخصهم، حتى الجامعة المسماة زوراً وبهتاناً باسمهم لا علاقة لهم بها ولا تشبههم، وليس لأبنائهم فيها مزايا تفضيلية، المغتربون معظمهم يعانون في تعليم أبنائهم الأمرين، يدفعون أموالاً طائلة حينما يدفعون بهم للتعلم في الجامعات الوطنية الحكومية والخاصة، ويدفعون أكثر حينما يبعثونهم إلى الدول الأخرى، بل تُمَيّز الدولة بينهم وبين إخوتهم عند القبول في الجامعات، لصالح من هم بالداخل كأنهم نبت شيطاني يطلب منهم الدفع بالدولار، مما يشعرهم أنهم مغتربون صغار داخل وطنهم. الخطط الإسكانية في العاصمة الخرطوم وفي مختلف ولايات السودان لا تضع اعتباراً للمغتربين، فهم كغيرهم مطالبون بالشراء بالعملة الحرة، وقد زرت عدداً من المجمعات السكنية التي شيدتها مصارف حكومية وخاصة فهالتني الأسعار التي يعرضون بها تلك الشقق الضيقة، وقلت في نفسي لأن تشتري شقة في لندن أو القاهرة أو أديس أبابا أو نيروبي أو كوالالمبور خير لك من أن تشتريها في السودان؛ فأسعار تلك الشقق السودانية خرافية بل فلكية، وحكومة ولاية الخرطوم أرسلت وفداً من وزارة الإسكان فيها إلى المغتربين في بعض دول الخليج فباعوا لبعضهم قطع سكنية فيما يسمى بالوادي الأخضر شرق مدينة أمدرمان، والغريب أنهم باعوا القطعة بحوالي ثمانية آلاف ريال قطري على سبيل المثال قبل عدة سنوات وسعرها اليوم لم يتجاوز هذا المبلغ، وغير ولاية الخرطوم تأتي وفود أخرى باستمرار طمعاً المغتربين، الذين تبخل الحكومة عليهم بكل شيء، هل يعقل أن يحول مغترب فلساً واحداً بسعر البنك؟ هل يعقل أن يدفع مغترب واحد للحكومة بطيب خاطر وهي تواصل ظلمها له وأبنائه من بعده؟ حكومتنا مطلوب منها أن تعيد النظر في سياساتها تجاه أبنائها المغتربين بأن تمكّنهم بتحويل أموالهم بالدولار وتسلّمها بذات العملة بدلاً من العملة السودانية مطلوب منها أن تهتم بالمغتربين في خططها الاستثمارية المختلفة وبضمانات حقيقية تجعلهم يقبلون على الاستثمار في بلدهم بدلاً من الاستثمار في دول أخرى مطلوب منها أن توفر لهم السكن الملائم والعودة الكريمة بكل متطلباتها، من اإعفاءات الجمركية لأثاثات بيوتهم وسياراتهم الخ. رحم الله صاحب الإيقاعات السريعة* حزنت لسماعي خبر رحيل زميلنا الصدوق العف أستاذ عبد المولى الصديق الذي زاملته في منتصف الثمانينات في هذه الصحيفة يوم كان الأخ محجوب عروة مالكاً ورئيساً للتحرير فيها، عبد المولى كان من طينة الصحفيين أصحاب القلوب الكبيرة، كان محباً للهلال بشوشاً وسمحاً في معاملته لكل من يقابله اسأل الله العظيم أن يرحمه رحمة واسعة ويجمعنا به في الفردوس الأعلى يوم الدين.