:: قبل أسبوع من الاقتراع، عندما كانت عيون الناس والصحافة تُحدِّق في أحداث دائرة دنقلا القومية وما بها من تنافس مفتوح بين مرشح المؤتمر الوطني بلال عثمان بلال والمرشح المستقل أبو القاسم برطم، كانت لجنة برطم هناك تضع خُطة اكتساح تسعة مراكز فقط لا غير من جملة (64 مركزاً).. والمراكز التسعة ليس فقط لأنها ذات كثافة في تسجيل الناخبين، بل هي أيضاً معاقل قيادات المؤتمر الوطني بالولاية والمحلية. هزيمة الخصم السياسي في عقر قريته تُشكل ثلاثة أرباع الانتصار، وتُمهد الطريق للانتصار الكامل، وهذا ليس من السهل في زمان يتدثر حاله بالقبلية والعشائرية و(زولنا وزولك)، وغيرها من موبقات السياسة السودانية. ومع ذلك، اجتهدت لجنة برطم في تنفيذ خطتها ثم استغلت وعي مجتمع دنقلا كما يجب. :: ولذلك، قبل الخامسة مساء يوم الفرز -مع مراكز أخرى على ضفتي النيل- كسب بُرطم أصوات (المراكز التسعة)، مركزاً تلو الآخر.. وقد لا يصدق القارئ أن مرشح المؤتمر الوطني بدائرة دنقلا القومية، وهو نائب رئيس الاتصال التنظيمي بمركزية الحزب، وكذلك نائب رئيس اللجنة العليا لانتخابات الحزب، وبكل هذه الصفات القيادية خسر أصوات (مركز قريته - أقدي - أولاً)، أي قبل أن يخسر أصوات مراكز القرى الأخرى.. وقد لا يُصدق القارئ أيضاً أن مرشح الوطني بتلك الدائرة أيضاً، بعد أن خسر أصوات أهل قريته بمركز أقدي، خسر أيضاً أصوات أهل (مركز كابتود).. وكابتود هي مسقط رأس معتمد دنقلا ورئيس المؤتمر الوطني بمحلية دنقلا، وكذلك مسقط رأس رئيس المؤتمر الوطني بوحدة دنقلا.. نعم، لم يخسروا الدائرة فقط، أو كما يظن الرأي العام.. بل قادة الوطني هناك كشفوا -لأهل الدائرة قبل الرأي العام- أنهم ليسوا جديرين حتى بأن ينالوا ثقة أهل أريافهم التي هم ولدوا وترعرعوا وعاشوا -ويعيشون- فيها. :: وعليه، من مشهد تساقطهم في أريافهم، فالدرس الأول في انتخابات دائرة دنقلا القومية (لا للمحسوبية والمحاباة)، فالثقة لمن يرونه يستحق ثم سحبها ممن يرونه لا يستحق حتى ولو كان (ابن قريتهم).. وهذا الدرس العظيم لم يُعد هناك خصيصاً لنهج الوطني الذي كثيراً ما يراهن على (تلك الموبقات)، بل هو درس لكل مجتمعات السودان وأحزابها وجماعاتها التي تُقزم مصالح البلاد والشعب العليا في مواعين اجتماعية وثقافية (ضيقة جداً). وبالمناسبة، ليس أهل دائرة دنقلا فقط، بل حتى الأهل بدائرة أبو حمد أيضاً خذلوا تكهنات الصحافة والرأي العام، وانحازوا بمختلف مواعينهم الاجتماعية إلى المرشح المستقل مبارك عباس، أو هكذا كان ولا يزال وعيهم المتجاوز -رقياً ونبلاً- وعي ساسة وأحزاب وجماعات نظرية (فرق تسد). :: ومن تلك المراكز التي خُطِّط لكسب ثقة أهلها، كانت الأهداف أعمق من (كسب دائرة انتخابية)، وهذا درس آخر أيضاً، (مراكز عاصمة الولاية).. (10 مراكز)، تتوسط مباني ومقار أجهزة الحكومتين الولائية والمحلية التشريعية والتنفيذية، وكذلك مباني ومقار الحزب الحاكم بالولاية والمحلية، وكذلك كل المرافق الخدمية، أي هي مراكز بمثابة قلب الأداء العام والنشاط السياسي لحكومتي الولاية والمحلية.. (10 مراكز)، لم يكسب مرشح المؤتمر الوطني من أصواتها غير أصوات (مركزين فقط لا غير).. وعليه، بتدافعهم إلى صناديق الاقتراع وبحراستهم لتلك الصناديق أربعة أيام، فإن الأهل بدائرة دنقلا لم ينتخبوا فقط مرشحاً مستقلاً إلى البرلمان، بل امتحنوا عزيمتهم وإرادتهم في مادة (التغيير والتجديد).. ونجحوا في وطن مكلوم بالمهزومين (نفسياً).