:: وكان ليوم السبت الفائت (قصة)، ولكن غصة تعكر (صفو القصة).. وعلى سبيل غصة، يُغسل أحدهم وجه قلمه بماء الملح ليدافع عن أسطول عربات طلاب الحزب الحاكم ويُبرر لهم ما سُكبت فيها من مليارات نصفها يبني مدرسة للبنين وأخرى للبنات ومركز صحي لأسرهم بأي قرية يتداوى أهلها بالصبر والموت، وتلاميذها يتكئون على بعضهم ليشكلوا جدراناً لفصلهم بعد أن ضن عليهم القدر بالجدار.. وفي غصة أخرى، تحتفل حكومة الخرطوم بفندق روتانا وتوزع من الدولارات ما يكفي لنثريات (ثلاثين أفندي)، وهي تتراوح ما بين ثلاثمائة وسبعمائة دولار للأفندي، ثم تفوجهم إلى الكويت ليتلقوا دورة تدريبية، وما هم بخبراء ولا باحثين، بل فيهم مدير مكتب المدير.. والدورة الدولارية في التخطيط الإستراتيجي. :: أما القصة.. في خواتيم العام 2012، مات أحد الأطفال بمستشفى جعفر بن عوف لعدم وجود جهاز التنفس.. ولم يكترث لموته - لا بالإقالة أو بالاستقالة - بمن نسميهم بالمسؤولين، فتألم شباب شارع الحوادث واستنفروا بعض أفراد شعبهم وأحضروا الجهاز، ثم تساءلوا فيما بينهم: لماذا يقف الحلم عند حدود هذا الجهاز؟ لماذا لا نحلم بغرفة عناية مكثفة للأطفال؟.. ثم كانت الفكرة والمشروع الحلم أو حلم مشروع.. لأحمد إدريس، حسام مدني، محمد إسماعيل، مصعب محمد أحمد، ود الجاك، أيمن سعيد وآخرين، ولن تعرفهم جميعاً رغم أنك (تراهم يومياً).. نعم، تراهم وتمر بجوارهم وتعيش معهم أينما كنت.. تراهم في وجوه في الكادحين وأحلام البسطاء، وتراهم في آمال اليتامى والأرامل وآلام المرضى، وتراهم في عرق الناس و في براءة أطفال كما الشروق يُزيح ستار الظلام. :: يومياً، منذ عام رحيل ذاك الطفل، يجتمع أحمد ورفاقه.. يجتمعون، لا في قاعات ذات نسائم ولا في مكاتب ماليزية الديباجة في بلاد غاباتها إما تحترق أو تصلح للقتال.. بل، يجتمعون على مقاعد الحاجة أم قسمة، والحاجة أم قسمة (قصة أخرى).. جاءت بطفلها إلى ابن عوف، وأرهقتها تكاليف العلاج، فاحتواها أحمد ورفاقه بجمع (العدة والمواد)، وجلست تبيع الشاي وتدفع فواتير علاج طفلها، ثم صارت ملاذاً آمناً وحضنا رحيما لحلم الشباب والمشروع الحلم.. على (بنابرها)، وعلى مدار ساعات النهار وبعض ساعات المساء، يتناوبون بتناوب أرهق اليأس بحيث لا يتسلل (إليهم وفيهم)، ويرسلون النداء - عبر موقع التواصل الاجتماعي - لمجتمع ما خاب من راهن على مروءته. :: ويمضي اليوم، والأسبوع والشهر ثم العام والآخر.. ولكل لحظة (قصة حياة)، ولكل قصة عظماء من بلادنا.. أحمد وإخوانه، يتناوبون في نشر النداء (صيفاً وخريفاً وشتاءً)، ليأتي الطالب بما تبقى من مصاريف الشهر، والطالبة بخاتمها، ولتستقبل هواتفهم كرم أهلهم بالداخل والخارج.. ويكبر رصيد الهواتف وهم في قلوب الناس يكبرون، ويمضي المشروع بعقولهم وسواعدهم ويتجاوز مرحلة الحلم إلى أرض الواقع بمستشفى محمد الأمين حامد للأطفال.. (185 مترا مربعا)، هي مساحة الحب التي تحضن (أوجاع الصغار) بمستشفى محمد الأمين حامد للأطفال، وافتتحتها الحاجة أم قسمة وطفل يتلقى العلاج، وبها غرفة للعزل وأخرى لكادر التمريض بأثاثها، وثالثة للطبيب المناوب بأثاثها، ورابعة للتعقيم، ومن الأجهزة والمعدات الطبية والمساعدة أحدثها مع ضمان الصيانة الدورية، وكل وسائل التأمين.. (2.662.013 جنيه)، تكلفة المشروع الذي (كان حلماً).. هؤلاء هم السودان المرتجى بإذن العلي القدير، ولذلك يبقى الحلم.. (مشروع وطن).