اليوم السابع عشر من شهر رمضان، الذكرى السنوية لمعركة بدر؛ الحدث بتفاصيله ومشاهده مُوَثَّق في كتاب الله قرآناً يُتلى صباح مساء، وقصة تضمها كتب السيرة النبوية، ومع هذا لا نكاد نحن معشر المسلمين في مشارق الأرض نفيد من عِبَر الذكرى ولا نطالع (كراسة الدروس المستفادة) من غزوة بدر الكبرى التي تُمَثِّل أفضل نموذج للإدارة الاحترافية للمشاريع الكبرى والأزمات والمخاطر الآنية والاستراتيجية. الدرس الأول من مقاصد بدر أن المعركة لم تكن مقصودة في ذاتها، قراءة متأنية للآيات تعيد لنا وتذكر بهذه الحقيقة التي ستبقى ماثلة وشاخصة إلى قيام الساعة؛ الفئة المؤمنة كانت تود غير ذات الشوكة، والله سبحانه وتعالى أراد بوقوع المعركة أن يُحِقَّ الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين، هنا نتوقف لنتعلم أن تغيير مجرى التاريخ ومسار الحضارات تحدده تصاريف القدر الإلهي التي تُحدِّد لحظة الانقلاب والتحول من حال إلى حال، وواقع الدعوة الإسلامية ومكونات ومعادلات المشهد الدولي والمحلي والإقليمي في الدنيا يومها قد تغير في جزيرة العرب كلها بعد بدر العظيمة؛ ما حدث في بدر يؤكد أن الله سبحانه وتعالى يُراقب كل دقائق ومجريات حياة الأمم والشعوب. اليوم يعاني مسلمو الروهينقا ظلم الدنيا والناس؛ يُطَارَدون، يظلمون، صمتت عن مأساتهم كل منظمات ودول الضعف المسلم، في ذكرى بدر علينا تأمل ما يحدث لمسلمي الروهينقا والاقتراب من لحظات النصر في بدر لنطمئن أن نصر الله قريب من عباده المؤمنين. الدرس الثاني من دروس بدر العظيمة أن نُعلِّي من قيمة الشورى داخل الصف المسلم، وأن نحرص على هذه القيمة في أوقات المحن خاصة. كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يعلم علم اليقين بمعية الله له، ومع هذا كان صلى الله عليه وسلم يُلحُّ على أصحابه أن (أشيروا علي أيها الناس)، يحرّضهم على الإدلاء بآرائهم قبل المواجهة؛ فقد استجدت أمور وتطورات جديدة فَرَضَت واقعاً يتطلب الرجوع للمكتب القيادي للتنظيم المسلم في المستوى الأعلى وقواعد الجماعة في تنظيماتها الأدنى، هذا التداول والتشاور الموسع أخرج ممثلي الكتل الرئيسة يومها ليقولوا حديثاً وقع على القيادة برداً وسلاماً، ومن ذلك الحديث الكلمات التي سارت بها الركبان على مسار ومدار التاريخ (ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته خضناه معك، ما تخلف منا أحد)، بل إن عضواً في الجماعة المسلمة يومها برتبة جندي صف لم يمنعه موقعه كجندي من تقديم مبادرة كانت حاسمة في تسريع النصر، إنه خباب بن الأرت، ذهب خباب لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يسأله عن الموقع الذي اختاره النبي للمعركة (يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا أن نتأخر عنه؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟) أجابه النبي، بل هي الحرب والرأي والمكيدة، فأشار بموقع جديد كان حجر الزاوية في حسم المعركة؛ إذ سيطر المسلمون على مورد الماء الأساسي فرؤية خباب أن (نشرب ولا يشربون)، إنها فاعلية الفرد المسلم وأثره في وسط تنظيمه ورسالته. ليس مهما أن تكون شخصاً قيادياً لتقدم أفكاراً ومساهمات لخير الجماعة، يكفيك شرفاً أن تكون جندياً في حزب محمد صلى الله عليه وسلم. الدرس الباقي على مدار الدنيا والزمان أن تفرغ الجماعة والأمة وسعها؛ تتوكل على الله بعد استنفاد طاقة الجهد البشري، عندها يتنزل عون الله، كل الكون سيكون معنا ساعتئذ؛ المطر، الريح، النعاس، ثم يختتم المشهد بنزول الملائكة للقتال مع الصف المسلم، يد الله لن تتخلى عن عباده ما استكملوا شرط الإعداد، وفاضت داواخلهم بصادق التوكل، وعظيم التسليم والرضاء بقدر الله. إنها بعض من دروس وعبر معركة صارت قرآناً يُتلى، لا تنقضي عجائبه، ولا يبلى من كثرة الرد.