:: (التجنيب) - أي تحصيل المال من المواطن بغير علم وأمر وزارة المالية وإيصالها المعتمد عند المراجع العام - نوع من الفساد.. وليس مهماً بنود صرف (المال المجنب)، مشروعة كانت تلك البنود أو غير مشروعة، فالمهم هو أن لا يتم استلام و صرف أي مال عام إلا حسب الخارطة المحسابية لوزارة المالية، وهذا لا يحدث في السودان.. بل لأية وحدة حكومية حق فرض ما تشاء من الأتاوات على الناس، وكذلك لها حق التصرف في تلك الأتاوات كما يشاء مدير المؤسسة.. ولذلك - سنوياً - تفاجأ وزارة المالية بالاستلام ويُفاجأ المراجع العام بالتصرف.. كل هذا أمر مخالف للقانون من (زمن حفروا البحر). :: والمؤسف، أن هناك قوانين ولوائح وأحكاما تمنع هذه المخالفة وتعاقب مخالفيها.. ولكن نحن في السودان لا نهوى أوطاننا كما يجب، ولذلك نرمي بالقوانين والأحكام التي تكافح التنجيب - وغيره - بعرض الحائط.. وعوضاً عن تطبيق تلك القوانين والأحكام الواضحة على المخالفين، كانت الحكومة تشكل بين الحين والآخر ما سمته (لجنة عليا لمكافحة التجنيب).. نعم، رغم أنف القانون الرادع، تم تشكيل لجنة عليا لمكافحة التجنيب.. ولم تكافح اللجنة العليا وباء التجنيب، بل ذابت مثل كل لجان التخدير وبقي التجنيب يمد لسانه ساخراً للمالية والقانون!! :: وآخر تقرير صادر عن المراجع العام تحدث عن مخاطر تجنيب الأموال خارج إطار الموزانة، وبلغ حجم الأموال المجنبة في الأجهزة المركزية حسب التقرير (94 مليون جنيه) و(6.5 ملايين جنيه) في الأجهزة الولائية.. ولذلك توجس التقرير وأفاد بأن عدم الرقابة على حسابات الأموال المجنبة يهيئ بيئة مواتية للتصرفات المالية غير السليمة (الفساد)، وكذلك قد يُستغل معظم الأموال المجنبة في الحوافز والنثريات، وهذا ما يحدث دائما لأموال التجنيب.. وكالعادة، مع أرقام المبالغ المجنبة وكذلك مخاطر التجنيب، لا يذكر تقرير المراجع للنواب الوحدات الحكومية التي تدمن هذا التصرف غير المسؤول في المال العام؟.. فالتقرير دائما ما ينصح بعدم التجنيب ولا يفصح عن المجنبين!! :: ويبدو أن التحصيل الإلكتروني أزاح الستار عن قبح التجنيب والذين أدمنوه طوال الربع قرن.. (36.000 رسم)، كان يدفعها المواطن - طوال السنوات الفائتة - لأجهزة الدولة المركزية والولائية والمحلية، ووزارة المالية لم تكتشف هذا الرقم إلا مع بداية تطبيق التحصيل الإلكتروني، حسب تصريح وزير المالية.. ولقد أحسن وزير المالية قولاً عندما وضع يده على الجرح، وقال: (سنعيد النظر في نظام الفيدرالية المالية وهياكل المحليات وسنختار العدد المناسب من العمالة).. نعم، فالمحليات وولاياتها هي الآفة التي ترهق المواطن وتطرد المستثمر بالأتاوات غير المشروعة، لصالح الحوافز والنثريات والتأثيث. :: وكالعهد بهم دائماً باللجوء إلى الحرب والتخريب عندما يزاح الستار عن مخالفاتهم، لقد ظهر أعداء التحصيل الإلكتروني.. لقد كان صادماً لأوراقهم التي يتحصلون بها بلا علم وأمر وزارة المالية، وها هم يحاربونه - باعتراف وزارة المالية - لكي لا يكتمل المشروع.. ومن عليه حماية هذا المشروع والمضي به نحو كل منافذ التحصيل - قبل أجهزة الدولة - هو المواطن.. وقديما كان التحذير والتحريض بأن الدفع لأي جهاز حكومي بغير (أورنيك 15) بمثابة مخالفة ويجب مقاومتها بالرفض، ومع ذلك كان المواطن يدفع.. ولكن اليوم، بعد تطبيق التحصيل الإلكتروني، لم يعد هناك عذر للمواطن.. كافحوا التجنيب بحق الحرص على (الدفع الإلكتروني).