المدن مثل البشر تماما – تحزن – تفرح – تنفعل – تتألم وهي تواجه مشاكل من قبيل الزحام والتلوث البيئي – وامتداد احزمة الفقر حولها . والمدن لوحات او شيء من هذا القبيل – يرسمها المهندسون على الورق لتستوي مبان وحدائق ومنشآت عامة وخاصة – ومثلما هناك لوحات رديئة هناك مدن غير محظوظة لجهة البنى التحتية والمظاهر الجمالية والجذب السياحي. اهم اختبار يواجه المدن وبناها التحتية والفوقية – هو قدرتها على الصمود في وجه الطبيعة حين تغضب – غضب تعبر عنه الفيضانات المدمرة والعواصف والاعاصير والزلازل والبراكين - بعضها يصمد وبعضها الاخر ينهار تحت ضغط ظواهر الطبيعة – لكن هذا لا يعني نهاية المشوار وما اكثر ملاحم إعادة الاعمار في عالمنا الحديث - واخر مثال يمكن ضربه في هذا الشأن السرعة التي تتعافى بها المدن في شمال شرق اليابان من آثار التسونامي الذي ضربها في مارس الماضي. فالاصل في المدن قدرتها على تجديد نفسها باستمرار ومقاومة الشيخوخة – والتسلح بكل ما يعينها على الصمود – لان المدن رسالة ممتدة لا تعرف اليأس والخنوع – وخذلان التاريخ والجغرافيا باعتبارها اعظم تجل للاجتماع البشري ومدى نجاحه او فشله في تحقيق اهداف الجماعة وادارة علاقتها مع محيط التحديات والمشاكل – لسنا في حاجة للتأكيد بأن النجاح يحدث عن نفسه دائما ولا يحتاج ناطقين رسميين او متطوعين يدسون انوفهم في ما لا يعنيهم. في المقابل يبرز الفشل كحصاد ونتيجة حتمية تستحقه المدن التي تتقاعس وتضل طريق النجاح لاسباب يسهل رصدها والتعرف عليها. اليكم هذه المدينة وتجربتها والتحدي الذي تعيشه حاليا – انها العاصمة التايلاندية بانكوك المهددة بالغرق بسبب فيضانات غير مسبوقة منذ ستين عاما. بانكوك على شفا الغرق – سيناريو قد يحزن كل من يعرف حيوية هذه المدينة وموقعها في ما عرف سابقا بتجربة النهوض الاسيوي والنمور التي قادته ولا تزال. وبانكوك مدينة يزورها عشرة ملايين سائح سنويا وتعمل فيها كبريات الشركات والمؤسسات الدولية - تواجه خطر الفيضانات بارادة وعزيمة من جنس ما اعتمدته من سياسات للصعود وتحدي مقتضيات التاريخ والجغرافيا لتفرض نفسها رقما في خريطة الاقتصاد والسياحة العالميين. اخبار بانكوك هذه الايام تحدث عن ملحمة يخوضها السكان والسلطات في مواجهة ارتفاع مستوى الفيضانات وتحركها من حي الى اخر – لم تتخل بانكوك عن سحرها وقوة عزيمتها – وهي تستقبل كميات غير مسبوقة من مياه الفيضان – فعلت كل ما يمكن لمدينة ان تفعله - ولا تزال صامدة في وجه الطوفان.