لم تكن (عشوشة) تدرك ما هو سر تعلقها بذلك (الغراب)..فبرغم وحدة النوع إلا انه كذلك يختلف كثيراً في التفاصيل..لذلك كان من الطبيعي أن تجد (عشوشة) الانتقاد اللاذع من كل صديقاتها، واللائي ظللن يهمسن لها بأن هذا (الغراب) ليس له مستقبل بجانب (شناته) المُرة..والتى حيرت العدو والصديق..أما صديقتها المقربة جداً فقد نصحتها بأن تقبل عرض الزواج المقدم لها من ابن عمها (ود ابرق)..خصوصاً انه (مغترب) وجاي ليهو يومين من دبي (طيران ساكت)..ولكن شيئا ما في اعماق (عشوشة) كان يرفض الفكرة ويزيد تعلقها بذلك (الغراب). مرت الايام...وإزداد تعلق (عشوشة) بالغراب..ووصل الامر إلى علم أخوانها (أولاد الابارق) بالقصة..فقاموا ب(نقرها) على جسدها، وحذروها من التمادي في القصة..فالحكاية لا تشبه عائلتهم (المحافظة)..وستجلب لهم العار قريباً أو بعيداً..ولكن كل تلك العقوبات لم تفلح في إزالة الحب الكامن في اعماق (عشوشة) ل(غرغوب)...أو (كما تناديه هي بذلك اللقب). وبالرغم من علم (الغراب) التام بحب (عشوشة) له..إلا انه كان يتمادى في (التقلة) وكثيراً ما(يعمل رايح) عند رؤيتها امام باب عشها بشجرة (النيم) تلك، حتى انه كان يتجاهلها بصورة سافرة وهي تلوح له بجناحيها...ويغمغم في غضب: (بالله شوف...عشوشات آخر زمن جد والله). في تلك الليلة...قررت (عشوشة) أن تضع حداً لمعاناتها تلك..فتسللت خلسة خارج العش..وطارت حتى وصلت إلى شجرة (الدوم) التى يتخذها ذلك (الغراب) سكناً له..طرقت بمنقارها على جذع الشجرة طرقتين...وهنا مد (الغراب) برأسه خارج الشجرة ليلمحها وهي ترتجف من البرد..ويسألها في صوت حاد: (نعم...دايرة شنو؟؟)...وتجيبه (عشوشة) والدموع تتقافز من عينيها في غزارة: (ليه بتعمل لي كدا...بس وريني..يعني عشان حبيتك من دون كل الطيور)...ويهز (الغراب) رأسه في بلاهة قبل أن يجيبها بحدة أكبر: (هوي ياعشوشه..مات جيبي لي هواء مع اخوانك ديل...أنا مالي ومالك..)...في تلك اللحظة ثارت كوامن (عشوشة) الكبريائية..فنظرت إليه من اعلى لأسفل وقالت في غضب: (انت قايل روحك شنو؟؟ يا غراب يا شين يا قبيح..والله ثعلب كتاب المطالعة اصلو ما خاتي عليك)...لكن لدهشتها لم يبد الغراب أي أنفعال..فرد عليها في لا مبالاة وهو يغلق باب العش: (خلي ثعلب كتاب المطالعة دا يعرسك...أنا غايتو داير اقرأ). شربكة أخيرة: بعد أيام تم الإعلان عن زفاف (عشوشة) من ابن عمها (ود ابرق) وسط حفاوة الاهل والاصدقاء..ذلك الاحتفال الذي كلف (ود ابرق) الكثير..بدءا من تأجيره لصالة في (مشتل زهور)...وإنتهاء بفنانة الحفل (الهابطة جداً) (قمرية الطرب)...لكن وحتى هذه اللحظة لم يتم التعرف على سر تعلق (عشوشة) بذلك الغراب..وظلت القصة تحير الجميع..بالرغم من أن بعض (الدباسات الشمشارات) أكدن في قعدة (جبنة) أن عينها كانت على تلك الورثة التى تركها والد الغراب لابنه الوحيد.