الصحابة والتابعون النوبيون ميرغني ديشاب كان الأستاذ الصحافي المعروف سعد الدين إبراهيم قد أشار مرة وهو يقدم لكتاب عن الأستاذ الراحل محمد وردي للأستاذ سيف الدين محمود، أشار إلى ضرورة التروي قبل إطلاق الأحكام في مجالات التراث النوبي والإنساني عموما. وكنا قد وقفنا طويلا في دلالات كلمته تلك خاصة وأن كثيرين منا قد صاروا يفسرون أسماء ومفردات وفق معطيات اللسان النوبي كيفما اتفق. بل صاروا يلحقون بالنوبيين بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم سماعا دونما تثبت من مصادر متينة البناء. وما زلنا نعد كلمة الأستاذ سعد الدين في الكلمات التي قيلت في وقتها إذ دعت للعلمية لا العاطفة فيما ننقل إزاء مفردات التراث النوبي خاصة وهو يواجه بحملة - يبدو أنها منظمة - تذهب إلى أنه - التراث لا الأستاذ سعد الدين - نتاج (رطانات) لا ينبغي أن يؤبه لها. مصادر الدراسات النوبية، خاصة الدينية منها، حصرناها نحن في مخطوطنا (من مصادر الدراسات النوبية مع مقدمة في البحث العلمي). وفيه يجد القارئ والباحث المصادر التاريخية والجغرافية والمستحدث منها مقتصرة على ما جاء منها في اللغة العربية. إذ هناك مصادر من الصعب الوصول إليها في جامعات الدنيا ومؤسساتها العلمية والبحثية في مصر وتركيا وألمانيا والهند وبريطانيا وباكستان والنرويج وأمريكا وفرنسا وغيرها. ومن تلك المصادر ما خصص لها قسم خاص بالدراسات النوبية كيانا بحثيا علميا مستقلا تماما بوصفها دراسات تتحدث عن إحدى أعمق الحضارات الإنسانية التي يعود تاريخها إلى ثلاثمئة ألف سنة حسب إفادات آخر مؤتمر بحثي نوبي في لندن في عام 2003م. مصادر الدراسات الدينية بين هذه المصادر، عددنا منها ما لا يقل عن ثلاثمائة مصدر، توخينا أن تكون صادرة وفق قياسات البحث العلمي. ولم نأخذ في رصدها ما جاء في الانترنت الذي لا يعد الآن مصدراً معترفاً به في الدراسات الأكاديمية جميعها. فالبحث العلمي مهمة شاقة، أو ينبغي له أن يكون شاقا بحيث لا يتم بالضغط على آلة بجانبك تضخ معلومات بسهولة دون جهد قد لا تقف به على مصدر لها. خاصة في زمن تعددت فيه المنابر وركب موجتها طارئون في الثقافة السودانية يقولون ما شاؤوا أين شاؤوا دون مساءلة. ومن الغريب أن بلادنا - ثقافيا - لم تكن تعرفهم - على شهرة أهل الثقافة فيها - قبل عشرين سنة ونيف. سيدنا بلال بن رباح رضي الله عنه، أكثر صحابة الرسول الكريم خضع للاختلاف حوله . يقول كثيرون إنه نوبي . وهو في المصادر التاريخية الدينية بلال الحبشي . كان ينطق الحاء هاء والعين همزة والصاد سينا نعم . وهو غير عربي . وثم تداخل مربك بين مصطلحات (الحبشي - النوبي - الزنجي - من السودان = جمع أسود - الأحابيش - الحبوش )...الخ. وهي مصطلحات لم تفك تداخلاتها حتى الآن . البروفسور الراحل حسن الفاتح قريب الله له مباحث رائدة بدأها منذ عام 1965م في ذلك . وقد انطلق - رحمه الله - منذ وقت مبكر لتوكيد أن هجرتي الصحابة رضوان الله عليهم كانتا إلى السودان . وتوج جهده العلمي - عبر تطوير طويل المدى لأبحاثه - بكتابه (السودان - دار الهجرتين) حوالي عام 2002م . وعنه - فيما نرى - أخذ د. عبد الله الطيب وأحمد سليمان المحامي في كتاباتهما حول ذلك الأمر رحمهما الله . كما يأخذ عنه الآن د. جعفر ميرغني في مجاهداته التي تبدو معمقة. والبروفسور الراحل، حسن الفتاح قريب الله، في ريادته في رصد صحابة الرسول الكريم، يتشدد في أن الصحابي من ورد ذكره في كتاب (الإصابة في تمييز الصحابة) لابن حجر العسقلاني . وقد يأخذ بما جاء عند ابن عبد البر في كتابه (الاستيعاب في معرفة الأصحاب). لكنه لا يحتج بما جاء عند غيرهما من الكتب التي نوعت على ما جاء فيهما إلا قليلا . وهي كثيرة . وعلى الرغم من أن د. حسن الفاتح كان حريصا على رصد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين جاؤوا إلى السودان أو عاشوا فيه أو ولدوا، أو هاجروا منه إلى الجزيرة العربية، إلا أنه اقتصد في ذكر الصحابة النوبيين إذ ذكر قليلين منهم. وكان في مقدوره أن يزيد على ما ذكر. الدكتور محمد إسحق (جامعات باكستان) كان له بحثه القيم (الاتصال بين العرب والنوبة قبل الإسلام ونبذة خاصة من حياة الأصحاب النوبيين) في مجلة دراسات أفريقية - العدد21- يونيو 1999م . وقد ذكر سبعة من الصحابة النوبيين هم: يسار النوبي - رباح النوبي (وهو ليس أبو بلال رضي الله عنه) - كركرة النوبي - عبد نوبي غير مسمى- سحيم النوبي (الشاعر المعروف)- فضة النوبية - جارية أم الشريد النوبية. وما يميز د. محمد إسحق أنه اعتمد على مصادر كثيرة جداً موثوق بها. لدرجة أن مصادره أكبر مساحة من مقاله الرصين المسبوك. على أنه من المعروف أن السبي عموما كان يسترق فيوضع له اسم جديد, عربي في الغالب. وقد يكون له نسب لقبيلة من قبائل الجزيرة العربية. ويحكمه القانون العرفي الذي يحكم من يعيش حياة الاسترقاق. ولم يكن السواد وحده سبباً للاسترقاق . لكن من الذين ذكرناهم من أعتق وعاش حياة الإسلام مع الصحابة رضوان الله عليهم. وممن ذكرهم د. حسن الفاتح قريب الله معتمدا على مصادره المتينة أيضا: فضة النوبية - أبو لقيط مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - نوبة خادم رسول الله - يسار مولى رسول الله - أبو دسمة وحشي بن حرب النوبي الذي قيل إنه قتل خير الناس حمزة قبل إسلامه، وشر الناس مسيلمة الكذاب بعد إسلامه إذ كان يجيد الرمي إجادة أهله رماة الحدق - باران بن لقمان الحكيم (وفي أبيه اختلاف في زمانه الذي عاش فيه ليس هنا محل نقاشه) - وجارية أم الشريد الثقفي. سيدنا بلال بن رباح، رضي الله عنه، لم يذكر أبوه رباح في جمهور الصحابة رضوان الله عليهم. لكن أخاه خالدا وأخته غفيرة ذكرا. وفي المصادر التي بين أيدينا، وما ليس بأيدينا كثير، فإن المصدر الذي يذكر نوبية سيدنا بلال هو نعوم شقير في كتابه (جغرافية وتاريخ السودان) الذي استخلص ما هو تاريخي منه د. محمد إبراهيم أبو سليم وسماه (تاريخ السودان) محققا له. ومن المعلوم أن كتاب نعوم شقير قد كان تمامه حوالي عام 1922م . قال نعوم شقير (ويقال إن لقمان الحكيم الذي كان مع داود عليه السلام من النوبة. وأنه ولد بأيلة. ومنهم ذو النون المصري وبلال بن حمامة).أ.ه.(ص 56). ومن المعروف أن (حمامة) هي أم بلال رضي الله عنه . وقوله (يقال) لا يحتج به . لكن من الممكن أن تكون هناك مصادر أخرى لم نقف عليها تقول بنوبية سيدنا بلال . فمن وجد مصدراً موثوقاً به يقول بذلك فليقل لنا. وله الشكر الوافر مقدما. على أن نوبية لقمان الحكيم وثوبان بن إبراهيم الذي يقال له (ذو النون المصري) لا خلاف فيها على اتفاق المصادر التاريخية الدينية التي نحتكم إليها. التابعون والمشهورون من أهل الدين النوبيين قديما، أفاضت المصادر بذكرهم. ورصدتهم رصداً جيداً .لكن ثم قول في التابعي الجليل الحسن البصري. وهو الحسن بن الحسن بن يسار المكني بأبي سعيد. عاش أولاً في بيت النبوة في المدينةالمنورة، وسيرته مبثوثة في مصادر عديدة . وقد رجح د. حسن الفاتح قريب الله أن يكون نوبياً اعتمادا على الطبقات الكبرى لابن سعد. وفي بعض المصادر أنه من ميسان التي لم نقف على مكانها. ومن هؤلاء التابعين والمشهورين النوبيين في التاريخ الاسلامي: تحية النوبية - ذو النون المصري – سويد والد يزيد بن أبي حبيب الدنقلاوي - لقمان الحكيم - التابعي المشهور يزيد بن أبي حبيب الدنقلاوي أستاذ الليث بن سعد فقيه أهل مصر والنوبة كما في الأئمة التسعة لعبد الرحمن الشرقاوي رحمه الله. وما قلناه سابقاً، منقول عن مخطوط لنا تحت عنوان: (صحابة وتابعون وأهل دين من النوبيين) . على أننا قد نعود لأحاديث عن التأثير الديني للنوبيين في السودان وخارجه خاصة من المحس وأهل دنقلا. وهو تاريخ سابق لقيام الدولة السنارية في البدايات الأولى من القرن السادس عشر بقرون. لكن كتاب الطبقات لابن ضيف الله الذي يعتمد عليه كتاب التاريخ الديني في بلادنا من فرنجة وسودانيين يغفل عن ذلك إذ يقول في استهلاله (اعلم أن الفونج ملكت أرض النوبة وتغلبت عليها أول القرن العاشر (يعني الهجري) ولم يشتهر فى تلك البلاد (أي بلاد النوبيين) مدرسة علم ولا قرآن. ويقال إن الرجل يطلق المرأة ويتزوجها غيره في نهارها من غير عدة ... الخ) . ( ص 39 - 40) . هل هذا كلام يعتمد عليه؟ لا حول ولا قوة إلا بالله. لا شك في أن مثل هذا، وما يقوله بعض الكتاب الآن، سيجعلنا نعود لبيان أمور دينية كثيرة في بلادنا، نعيد كتابة تاريخها الآن، وقد فرغنا منه بحمد الله تعالى. لكن غياب ما قلنا بوصفه في مخطوطات، منها (التاريخ الإسلامي للمحس) و (التاريخ الإسلامي لأهل دنقلا) ربما جعل هؤلاء الكتاب في حلٍ مما يقولون، في فضاءٍ صار مبهولا.