الغالي تمر السوق محمد سعيد شلى برنامج (من ربوع السودان) الذي يبث من الإذاعة مساء كل خميس، من البرامج التي أحرص (بمزاج) على متابعتها، يشترك في إعداد البرنامج الأستاذ محجوب علي محجوب والدكتور عبد المطلب الفحل الذي يتولى أيضا مسئولية التقديم، وهذا البرنامج الذي يبث منذ سنوات طويلة يعد من البرامج الإذاعية التي صاغت وجدان المجتمع السوداني ولعبت دورا ملحوظا في توحيد هذا الوجدان، شعار البرنامج من كلمات وأداء الفنان الراحل محمد عمر الرباطابي, وهناك (رواية) أخرى تنسب الكلمات للشاعر إسماعيل خورشيد، وكلمات الشعار رغم بساطتها فيها تجسيد لوحدة السودان بتنوعه الثقافي والإثنيThe cultural and ethnical diversity .. ومن أشهر المطربين الذين ارتبطوا بهذا البرنامج, النعام آدم, عبد الرحمن بلاص, زكي عبد الكريم، آدم شاش، إدريس إبراهيم، عائشة الفلاتية، مهلة العبادية سيد الجعلي , ود السافل ومدني صالح صاحب أغنية سمسم القضارف وأغنية طلعت الفمرة التى تؤديها أيضا عايشة الفلاتية، وأغنيات البرنامج تقدم باللغة العربية وباللغات المحلية local languages ولا أقول اللهجات المحلية فاللهجة تأتي في إطار اللغة الواحدة كقولنا لهجة الشايقية ولهجة البقارة التي تعرف بال Accent، والفنان محمد وردي دخل الإذاعة من برنامج الربوع حيث بدأ مسيرته الفنية بتقديم مجموعة من الأغنيات النوبية، وأول أغنية -حسب علمي- قدمها وردي باللغة العربية كانت أغنية - الحب والورود- والمشهورة بأغنية (يا طير يا طاير) وهي من كلمات إسماعيل حسن وألحان خليل أحمد، ومن التسجيلات الرائعة التي درج البرنامج على بثها أغنية الغالي تمر السوق بصوت الفنان والممثل عثمان حميدة (تور الجر) وهي من الأغنيات الشعبية The national songs في منطقة كردفان ولإعجابي بهذه الأغنية اخترتها عنوانا لهذه المادة، ويرتبط برنامج الربوع في ذهني بذكريات الطفولة ببلدتنا بشمال السودان. كان أبناء وبنات الجيران --لقلة أجهزة الراديو وقتئذ - يجتمعون في أحد بيوت البلدة عند موعد بث البرنامج، وكان (لا يعكر) صفاء تلك الجلسة غير عمنا(ساتى ود علي) رحمه الله، والعم ساتى أنصاري على السكين (ويحظر) مثل تلك التجمعات وكان أحد المعمرين من أهلنا الذين شاركوا في حملة ود النجومى، ويبدو أن عمنا ساتي كان أحد الذين (جندهم) الأمير ميرغني سوار الدهب للانضمام لتلك الحملة، وآل سوار الدهب ترجع أصولهم لدنقلا العجوز واستقرت مجموعات منهم في الأبيض وأم درمان، وعلى ذكر دنقلا العجوز فهذا الاسم مرجعه لترجمة غير دقيقة لاسم Old Donglaفالذي أطلق هذا الاسم قصد به دنقلا القديمة, حاضرة الدولة النوبية ليفرق بينها وبين دنقلا الحالية عاصمة الولاية الشمالية, والأخيرة حديثة النشأة أسسها الأتراك عند دخولهم السودان وأطلقوا عليها دنقلا العرضي وتعني بلغتهم معسكر الجيش The Army camp وكان يتعين على ذلك المترجم الهمام أن يفهم مقصد ذلك الخواجة من كلمة Old فالمقام ليس مقام شاب وعجوز ولكن تفرقة بين قديم وجديد، وخير دليل على ذلك حلفا القديمة وحلفاالجديدة، وعودة لبرنامج - من ربوع السودان - فالدكتور عبد المطلب الفحل يحرص في تقديمه أن يفسر للأجيال الحديثة مفردات الأغنيات التي ينتقيها، وحول هذا الانتقاء يلاحظ البعض ومنهم كاتب هذه السطور أن -أستاذنا ود الفحل- يتعامل (بحسياسية مفرطة) في خلق توازن بين أقاليم السودان المختلفة، وهذا الحرص وإن كانت أسبابه مفهومه لكنه يأتي خصما على (الجودة) وربما يفرغ البرنامج من نكهته الخاصة.