- يشهد الله - غاية التعب ... ولكنها لا زالت تدعك بيدها صفحة القلب حتى يسعل الخرطوم ... مئذنة وقلم ... وكباية شاي كانت الخرطوم ترفع جناحا وتخفض آخرا ... تطير بنا في سمواتها الفسيحة الآن تنشغل باستخراج الشوك من رجليها الكسيحتين ... دجنها الحزن يا لعينيها ... وهي توزع الدمع على الجميع وتقرأ في سرها آية الكرسي بعد أن شمّعت لسنين طوال كانت الخرطوم مدينة جميلة ... خفيفة الظل ... حتى وهي تغرق الدرب بالفقد سيء الذكر كانت ... ومازالت تحبنا كانت مساجدها تسجد وتركع في كامل لياقة أهلها .... تفتح صدر منابرها( لصفاحات-) هكذا يسمّون عقد القران - تزاوج بين الأحباء ( وحتى اولاد العمومة ... للقدح فيها أولوية ) ... المانفيستو الخاص بها ( كل الناس اتنين اتنين ) ... وتوسع صدر مجلسها لتقاسم الدمع في العيون الجميلة وهي تودع حبيبها الراحل رحيل الحبيب الآن يفوق الموت وشواهد القبور ومراثي الشعراء الساخنة ... رحيل الحبيب الآن يحفر بئرا في القلب ونهرا في الذاكرة ... ومراكب يرهقها التيار . الحبيب الآن ... آه عليه ... يشكو هجر الخرطوم ... وكأن حديقة القرشي وشارع النيل وهمساته الحائرة وتشققات يد الحبيبة برعشات الحبيب المسافر كأن تنهيدات الأمهات وهن يكلمن قريبا لتسهيل إجراءات الخدمة الإلزامية وموت الأب الصامت جراء بهدلة ابنه الوحيد بين أيدي مدن العالم كأن جبين الناس المصرور في نص السوق العربي والبسمة المدسوسة بين الحاجب والقلب كأن تنورة هاجر التي مسح بها ذات يوم وجهه فالتمئت صلعته وغطى الشعر عينيه وضحكتها التي كانت تخيط فساتين العالم وردة وردة كأن صبره والصفوف تطول ويدخل البعض في مكان الطوب المرصوص أو بين المعارف كأن الملايات التي يغازلها نسيم الحيشان فتغرق في الونس تكتب قصائدها لليل وحيد وكأن اصدقاؤه يتوسطون مجلسا يزرع في حواشيهم الإلفة ... والبدر يحسدهم وهم يضيئون ... وفي رواية أخرى يولعون كأنها كلها بعض من دمه المسفوك. مساجد الخرطوم كانت تغسل الحزن بجميل الآذان ووسيم السجود وأنيق الدعاء ... الآن تغرق في صمتها وهي تقفل أبوابها بعد ساعات العمل الرسمية الخمسة. جامع فاروق ... الجامع الكبير ... ينامان على سهر أهل الصفة الجدد ... ويصحوان على رهق العيش ... زمان ولزمانات طويلة كان الجامع ملاذا للعطشان والجائع والمزنوق ... الآن ما عاد بيت الله يحتفي بخلق الله كثرت المساجد بالخرطوم فقلت البركة ... ليست لنقص في ثقة الله بالناس ... ولكن نقصا في ثقة الناس بالناس ... تسربت البركة من بين أقدامهم ... وهم يرون الخلق تنام على القهر ولا تصحو .... عن مساجد الخرطوم يطول البكاء ولات ساعة عين تحتمل الدمع ......................... ........................ الشوارع ... تزرع خواطرها بالحفر ... ولا تعتبر نفسها مسؤولة عن عثرات البصات العتيقة البصات التي .... هذه البصات تعرف كيف تهدم ... تعرف كيف تسحب خيوط البسمة خيطا خيطا من شفاه الأطفال والرجال يحيا الأطفال على البسمة المفقودة ويموت الرجال على طريقتهم الباهظة لعينين مضيا يغسلان الدمع بالدمع كانت البصات تفتح بيتا من عزاء لقلبين باتا يلهمان النجم طويل السهد كانت البصات ترحل بالحب كانت البصات حين يباصر الحبيب لمقعدين مستحيلين ويجلس حبيبته بين عينيه ... تتبرع بكمساريها لإعلان (ياخوانا الباص دا ما ماشي بللاهي انزلوا لينا) ......................... ........................ الخرطوم تنام عن أحزاننا بحبها الكبير الخرطوم قلمي يا لقلمي والمداد من دمي ... تكتب عني قصاصات السهد والقلق الخرطوم مئذنتي - قبل التمكين - تناطح عمارات المادة بروحها الخرطوم أجمل كباية شاي عرفتها زمانات القريفة المجنونة يا لطعم الهبهان ... ينسج طاقيته الحمراء في رأس تكبله العرضة بقفزاتها الجامحة يا لطعم الهبهان ... وخيوطه تمسح نهرا من كيف وتزرع شتولا من اكتمال يناطح العماري الجيد ... تجتهد وهي تغالط ( الانترنت للعماري الجيد) ... شايفين العولمة ؟