يعترف الشاعر اسحق الحلنقي أن علاقته بمدينة كسلا ليست علاقة شاعر بمدينة، بل علاقة اكبر من أن تحتويها عديد من قوالب الادراك، ويعترف كذلك بأنه (متعصب) جداً لكسلاالمدينة التي احتضنت زهرة صباه وعنفوان شبابه، ويقول: (كتبت في كسلا..وسأظل اكتب ما حييت)..ولعل افادة الحلنقي تتوافق مع كثير من الافادات التي طرحتها (السوداني) على عدد من المبدعين الذين جاءوا من ولايات السودان المختلفة للعاصمة، حيث قام عدد كبير منهم برسم الكلمات وفاء لتلك الولايات والمدن، ومن ضمن اولئك الفنان حيدر بورتسودان الذي وصف مدينته ب(الحورية) في احدى اغنياته القديمة، كما أن مطربي مدني لم يخرجوا من ذلك السباق فتغنوا لتلك المدينة بالكثير من الاغنيات، اشهرها على نطاق الشباب اغنية (شباب مدني) والتي تتغزل في مبدعي تلك المدينة، وقبيل سنوات قامت الساحة الفنية ولم تقعد بإطلاق الفلاتية لأغنية (سمسم القضارف) تلك الاغنية التي وجدت من الرواج الكثير، حتى انها حافظت على بريقها حتى يومنا هذا، وهي من الاغنيات المصنفة ضمن الاكثر تأثيراً في الخرطوم برغم مفرداتها الوافدة من إحدى الولايات. لكن لم يقتصر ظهور شهادات (السكن) في الاغنية على الولايات فحسب، فيبدو أن شعراء العاصمة وجدوا سبيلاً للتغزل في بعض المدن الخرطومية، فظهرت رائعة الكاشف (المقرن مع الصباح)..وظهرت (الجمعة في شمبات)..وظهرت (ام درمان) عموماً في اكثر من مناسبة، والخرطوم كذلك..أما عن اجمل الابيات شعراً في هذا الجانب فربما يتفق الكثيرون على انه ذلك البيت الذي تحتضنه قوافي اغنية (سعادتي مؤكدة) وهو الذي يقول: (ضيعني ساكن الموردة)..والذي يجمع بتناسق مذهل ما بين المدينة والمحبوبة..وهكذا كان الابداع والوفاء ومنح شهادات (السكن) للأغنية السودانية في الزمان الماضي.