تظل الشرفة مجموعة أضواء تلتمع في تاريخ بلادنا كثيفة الضياء – تكشف بوضوح مزهل عن حقيقة الأشياء – حقيقة هذه الحياة – (الجمال – الحق) والعطاء الإنساني – والقيم التي تجمل الحياة على سطح هذا الكوكب الترابي – فالشرفة بركات و(الشرفات) اللائي يشكلن الدائرة المضيئة (المكانية والزمانية) للشرفات (الشرفة البحر – الشرفة الفوق – الشرف الغنماب) حيز واسع – لتاريخ وحاضر ومستقبل – فشخوص صنعوا التاريخ المكاني والزماني – وصنعوا حاضراً مليئاً بالعطاء وآخرون بلا شك سيصنعون مستقبلاً زاهراً – فالأرض الطيبة تخرج نباتاً طيباً – فمن قبل ثلاثة قرون أو أكثر منذ السلطنة الزرقاء – ركز الاشراف – أحفاد الشريف بركات بن نمى – ألوية الدين – عند ضفاف النيل الأزرق – قرآناً يتلى – وعلماً يدرس- وإلها واحداً يعبد – رسل معرفة وهداية – فكانوا وكانت الشرفة بوتقة انصهرت فيها كل القبائل والأفخاذ – كخطوط الطول – التفت بخطوط العرض – وكوضوء سنته – انغزلت بخيوط الفرض – لون أبيض منه جميع الألوان – تجلى لي هذا النماذج والانصهار وأنا حضور – ليوم من أيامها – وهي تختتم دورة (السلام) الرياضية – التي نظمتها اللجنة الشعبية لمدينة الشرفة – فالشرفة ليست بالبقعة التي تقع شرق النيل الأزرق والتي زادها الأزرق الدفاق جمالاً وروعة – ولا رمالها الذهبية الشديدة اللمعان فحسب – بل هي (فاصلة) هامة في تاريخ السودان – فالتاريخ يصنعه الرجال – لا التاريخ يصنع الرجال - ففي هذه البقعة الطاهرة – المليئة بالطهر وقيم الدين كانت الشرفة بوابة لتاريخ الجهاد – وملحمة من ملاحم الاستشهاد في سبيل العقيدة والوطن – هنا التاريخ سجل في أكتافه اسم الشهيد الشريف أحمد ود طه – الذي دوخ جيوش الغزاة – فكان من أبكار شهداء الثورة المهدية – فمن الشرفة – انطلقت شرارة الجهاد والاستشهاد – ناراً تستعر – فكانت الثورات في الجزيرة – ثورة المكاشفي ومحمد زين التكروري في أم شوكة – وفضل الله ود كريف – والطيب ود حمدون ود أبيد – شهيد (قيقر) فداسي – ومن الشرفة اشتعلت جذوة الجهاد في دواخل المجاهد عبد القادر ود حبوبة – تلميذ الشريف أحمد ود طه – الذي كان واحداً من كوكبة المجاهدين الذين أبلوا بلاءاً حسناً في موقعة (الخور الأحمر) الموقعة التي انتصر فيها الشريف الشهيد – والشرفة سجلت لتاريخ الجهاد – لقاء الإمام المهدي مع الشريف أحمد ود طه – فكان الشريف واحداً من أربعة (أسر) إليهم المهدي بالثورة – وهم الخليفة عبد الله والشيخ محمد البصير – والطيب ود حمدون – فالشرفة التي أسهمت في التاريخ الوطني – ظلت منارة إشعاع معرفي تعطي ولم تستبقي شيئاً – من خلوتها النظامية التي تأسست في ثلاثينات القرن الماضي – تحت رعاية العارف بالله الشريف بركات – فرخت مجموعة من المعلمين – في زمان شديد الظلمة – زمان كان التعليم الديني – يحارب – من المستعمر الغازي – لكن الشرفة مشكاة العلم والاستنارة قدمت رسالتها عبر مجموعة من المعلمين – فرختهم تقابة القرآن وغيرهم – فحملوا بهذا القرآن – مشاعل المعرفة – أساتذة أجلاء – صديق علي – الزيدابي الأمين الحاج – الطاهر حمد الزين – محمد الطيب القلع وغيرهم – وهنا لا بد أن يسجل التاريخ في دفاتره الدور الكبير للشيخ وأستاذ الأجيال شيخ لطفي – مؤسس الخلاوي النظامية الذي وضع اللبنة للمدارس القرآنية الحالية – وبرغم التهميش والحرب الخفية على الشرفة كمنارة إشعاع معرفي وقلعة نضال وطني – ظلت الشرفة تقدم عطائها للوطن – عبر أجيال من المتعلمين ومن الموهوبين في كل المجالات – أطباء يشار إليهم بالبنان بروفيسور/ عبد العظيم كبلو وبابكر كبلو وبروفيسور/ عثمان طه ويوسف الأمين وعبد الله عبد الصادق وغيرهم صيارفة – أحمد الطاهر – الزين الحادو – أساتذة جامعات دكتور الأمين الحسين بروفيسور حيدر خوجلي – د.عبد الرحمن يوسف حسن د.الطيب محمد علي – والراحل بروفيسور/ أحمد علي الإمام - سياسيون – عمر الشريف – د. إبراهيم الأمين – كمبال – الأمين الصديق الهندي – عبد الرحمن الشريف أحمد وآخرون – إعلاميون حسين خوجلي وطه يوسف وجماعة كثر من أبناء الشرفة - انتشروا في داخل البلاد وخارجها – في كل مجالات الحياة – فالشرفة أعطت للوطن الإبداع في كل مناحيه – فمنها كان الفنان الراحل عمر أحمد – وكان منها منشد المديح النبوي حاج التوم من الله – ومنها كابتن (خالد) الذي مازال يرعى الرياضة في الشرفة ومنها سيماوي الرياضي المطبوع – وهي تقدم كل هذا العطاء فهي لا تمتن ولكنها ترى أن رسالتها لا بد أن تتواصل – لابد أن تواصل مسيرة بناء التاريخ – فالدورة الرياضية التي نظمتها لجنتها الشعبية – من أندية المنطقة – الشرفة بركات – الشرفة الفوق والرفاعين الفوق وقوز الأحامدة – وقوز الصبيحاب ومركز شباب الرفاعيين – هي رسالة لها مدلولها الاجتماعي فعبر الرياضة تترسخ قيم التعارف والتواصل والتعاون والإخطاء – فالرياضة مدرسة تربوية – فالجسم السليم في العقل السليم – ففي لقاء رياضي – اختتمت دورة (السلام) والتي شرفها معتمد شرق الجزيرة الطيب محمد بخيت ومستشار الوالي عمر الشريف ووزير الصحة الولائي د. الفاتح ووزير الشباب والرياضة الأمين الهندي وكوكبة من قيادات العمل التنفيذي بالولاية والمحلية – وجمهور غفير من مواطني المنطقة – وليلة خطابية بمركز شباب الشرفة – تم تكريم الوزراء والمستشار والمعتمد وتقديم كأس الدورة للفريق الفائز – فريق الموردة وشهادات تقديرية للحكام – وكانت مخرجات الدورة هدايا – مستحقة للشرفة – التي ظلت تعطي – محطة مياه – وشبكة مياه جديدة – ومعدات عملية للمستشفى – المستشفى الذي يشكو لطوب الأرض – وتأهيل مركز الشباب – وبالمناسبة فإن نادي الشرفة تأسس في أوائل الستينات – لكنه يد التطوير لم تمتد إليه – فأخشى ما أخشى عليه أن يصير أثراً بعد حين. نقطة أخيرة الشرفة ذات السواعد الخضراء القوية – تنتظر الكهرباء لمشاريعها الزراعية (النيلية) فقد طالت سنوات (نزوحها) وهجرتها – فيه تطلب كهرباء الزراعة كوسيلة لكسب العيش – فأهلها يطلبون من الدولة (سنارة) ليصطادوا السمك – فقد أعطوا هذا الوطن الجميل فما استبقوا شيئاً.