وتهادت بي الطائرة الأثيوبية.. بين سماء من الندى المضفر بالسحاب الذي يُلبس الهضبة الأثيوبية ثوباً أبيض.. يتداخل مع اللون الأخضر الذي تتوشحه جبال الهضبة.. تمازج يجمل اللوحة الأثيوبية.. فمن القمة الشاهقة تمكنت أن أرى مشهد بانورامي للمدينة البهية التي أزورها لأول مرة.. هبطت الطائرة في المطار القديم الذي تم تخصيصه للقادمين من السودان وتنزانيا وجنوب السودان وبقية دول شرق افريقيا.. بانوراما لمدينة شهدت أحداث مهمة.. ميلاد منظمة الوحدة الأفريقية.. وميلاد الإتحاد الأفريقي وتغيرات سياسية وحروب حرب الطليان وإسقاط النظام الأمبراطوري.. وحكم منقستو الإشتراك ونظامه الستاليني والثورة الشعبية.. واستقلال اريتريا وبانوراما متعددة الألوان والأشكال.. بيوت ذات طابع اوروبي وأخرى من الصفيح تتوارى خلف الأسوار وجوه لسحنات متعددة عمائر شاهقة وحركة نشاط معماري يغير وجه المدينة أحياء راقية تزحف لتحل محل الأحياء القديمة جسور طائرة تبسط أجنحتها محلقة لتفك إختناقات المرور.. تاكسيات قديمة وتزاحم في الطرقات التي تمتلىء بالشحادين المقاهي جنباً على جنب مع المتاجر و«المولات» الحديثة فنادق تجاوزت الخمسة نجوم بجانب أُخرى لكوندات فقيرة وبنسونيات تتوزع في كل أحياء المدينة وبين هذا وذاك تمنح زخات المطر اليومي «المضبوط» على العاشرة صباحاً والساعة الرابعة عصراً المدينة جواً معتدلاً وأشجار تغطي الجبال التي ترقد فيها «الزهرة الجديدة» أديس ابابا العاصمة التي إبتناها الأمبراطور هيلاسي لاسي بديلاً للعاصمة القديمة «هرر».. في فندق «أمبسدور» القريب من المطار كانت إقامتنا تجولنا في المدينة التي أصبحت عاصمة لشعوب اثيوبيا وشعوب أفريقيا المدينة التي أصبحت محط السواح من كل جنسيات العالم ومحط المستثمرين.. وساعدها في جذب المستثمرين قانون الإستثمار في اثيوبيا الذي يفتح الأبواب مشرعة لكل مستثمر رؤوس أموال أجنبية تهطل على أثيوبيا من كل فج عميق سودانيون مستثمرون ركزوا ألويتهم في اديس في شتى مجالات الإستثمار.. في الصناعة.. في الزراعة.. في السياحة.. في الخدمات مطاعم بمستوى راقٍ المطعم السوداني مطعم ريكا وأخيراً مطعم الخرطوم.. الذي تم إفتتاحه على يد السفير الفريق عبد الرحمن سر الختم فمطعم الخرطوم الذي يحتل موقعاً ممتازاً في قلب العاصمة اديس لصاحبه رجل الأعمال المعروف صديق كوراك يجسد التواصل بين اثيوبيا والسودان فرجل الأعمال صديق كوراك الذي هو واحد من رجال الأعمال السودانيين في جنوب السودان والمتواجد تجارياً في الكنغو وكينيا وتنزانيا يمثل سفارة سودانية شعبية.. فهبوطه إلى اثيوبيا تأسيس لسفارة سودانية شعبية تحمل وجه السودان فالمطعم سوداني الملامح والمذاق.. قبلة للسودانيين ونادي إجتماعي يعكس ثقافة السودان بكل أشكالها ووجه سوداني يؤمه المواطنون الأثيوبيون والأجانب من كل الجنسيات العصائر السودانية والفول بالجبنة والطعمية والباسطة السودانية والمشويات السودانية وحتى القراصة والتقلية وسلطة الروب يقدمها مطعم الخرطوم.. فما أردت بهذا الترويج لهذا المطعم لكني قصدت أن وجود المطاعم السودانية في خارج البلاد هي بعثات دبلوماسية شعبية.. هي مدارس تعرف العالم بالسودان.. تعكس ثقافاته بجانب أنها ملتقى لأبنائه في مهاجرهم.. فالمدينة البهية التي بخضرتها الداكنة ومعالمها الأثرية كقصر الأمبراطور الذي تجاوره ينابيع «فلوه» المعدنية التي كانت احدى محطاتي والميدان «الأحمر» الذي كشطت الثورة الأثيوبية اسمه بعد أن إقتلعت نظام منقستو الإشتراكي.. تزين بأعلام الدول الأفريقية.. فالثورة الأثيوبية اقتلعت النظام الإشتراكي الذي لم يمنح أثيوبيا غير الفقر والجوع لتستجيب لتغيرات العصر وتخرج من نفق سلطة الحزب الى سلطة شعوب اثيوبيا كدولة فيدرالية ديمقراطية أما محطة سوق «ماركاتو» وما أدراك ما «ماركاتو» أكبر سوق في أفريقيا فإنه سوق «يجبر» أي زائر لاديس أبابا أن يزور هذا السوق ففي هذا السوق ترى اثيوبيا على الطبيعة ترى كل المتناقضات كل شىء يباع يوجد في هذا السوق.. فمن أراد أن يرى اثيوبيا فليذهب الى هذا السوق.. بحر متلاطم من البشر.. دكاكين لكل السلع.. البن الحبشي العسل بأنواعه الأبيض والأحمر باعة جائلون ضجيج لا ينقطع.. فماركاتو بالجد هو أثيوبيا ثاني دولة أفريقية من حيث عدد السكان بعد نيجيريا.. فتعدادها يفوق الثمانين مليون نسمة.. وأكبر قومياتها الامهرا والأرومو والتقراي وقوميات أخرى.. والمسلمون يشكلون نسبة كبيرة بجانب المسيحيين يعيش الجميع في تسامح والأمهرية هي اللغة المشتركة لجميع القوميات والإنجليزية تحتل مكاناً متقدماً في التخاطب.. أما السفارة السودانية فقد كانت محطة أخرى من المحطات التي توقفت عندها.. فقد كانت في حالة إستنفار عام بمناسبة انعقاد القمة الأفريقية.. فالسفير الفريق «المدهش» عبدالرحمن سر الختم برغم أنه كان مشغولاً بأعمال القمة.. لكنه كان حضوراً في المعرض الذي أقامته الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان.. وهو معرض يعكس الدور التاريخي الذي لعبه السودان في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية.. المنظمة التي قادت النضال لتحرير أفريقيا من ربقة الإستعمار فانعتقت من بأسرها من إستعباد البيض القادمين من وراء البحار والتي تنطلق الآن وبقوة من ربقة الإستعمار الحديث الذي يطوقها بأحزمة الفقر وقيود المرض والديون والتخلف.. والنزاعات والحروب الأهلية والتي خلفها بعد سحب جيوشه الغازية. ٭ محطة أخيرة يظل الصحفي والدبلوماسي عبد السميع دفع الله اسم محفور في قلب كل سوداني مثالاً للسوداني «ود البلد».. أنموذجاً للقيم والأخلاق السودانية.. قلباً مفتوحاً لكل السودانيين ويداً معطاء وشيال تقيلة.. ومفتاح رأي.. وعند بابه تهون القاسية ولا يظلم أحداً وفعلاً الرجال صناديق..