باتت الصحف السودانية يومياً تتصدرها أخبار أحزاب الإتحادي الديمقراطي الكثيرة، وخاصة حزب مولانا الميرغني وأسرته، فمرة يهدد رئيسه بالإنسحاب من الحكومة، ومرة ينفي الأمر، وأخرى يغادر إلى عاصمة الضباب التي يقيم فيها نجله مساعد الرئيس لشؤون(لندن)، ثم تكثر التكهنات حول غيبته، و(تقوم الدنيا وما تقعد)، بان هل غادر مولانا حانقا، ام انها رحلة عادية، أم(راقد فوق رأي). ثم تنهمر التصريحات النافية والمؤكدة والمخمنة والواضحة وغير الواضحة من قيادات الحزب، ثم يتشكل تياران أحدهما موالي لقرارات مولانا، والآخر معارض بشكل ناعم، فمولانا محمد عثمان الميرغني هو من يقرر إلى أين يتجه الحزب، صوب المعارضة أم الحكومة، ومن يشارك باسمه، ومن يخرج من المشاركة، ومن هو بديله، ومن يعترض فاليغادر، ويجب ألا يتفاقم سقف طموحات إصلاحية، بأن يطالبوا بالتغيير والإصلاح مادون السيد ابن السيد وريث عرش الحزب، وألا يتجرأ أحد على المطالبة بمؤتمر عام أحد أجندته ترشيح رئيس جديد للحزب من خارج الأسرة المالكة، فالحزب كله بمؤسساته إن وجدت، وقياداته وأفراده وعضويته نساءً ورجالا هم في جيب(محمد عثمان الميرغني وأسرته). حتى قرارات الحزب المفصلية كالمشاركة في الحكومة أو الخروج منها تكون وفقاً لمبادرات الميرغني، ووفقاً لقراراته ومقترحاته دون نقاش، ثم توالت استعلائية الأسرة المالكة، وتفاقمت الأزمة، ووصلت إلى حد اشهار السلاح في وجه كل من يعترض او ينتقد سلوك سياسي لأحد أفراد الأسرة المالكة، وتوالت وقائع الإعتداء على المعارضين لسطوة أسرة الميرغني وسيطرتها على الحزب، بدأ من حادثة إعتداء حرس رئيس الحزب على أحد الختمية بجنينة السيد علي قبل ثلاث سنوات ونشرتها الصحف آنذاك، وانتهاءً بحادثة إشهار السلاح في وجه المحامي علي السيد من قبل حرس ابراهيم الميرغني الناطق الرسمي باسم الحزب. بات الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) كما يحلو لأهله تسميته غير قابل للاصلاح في ظل هيمنة أسرة الميرغني عليه، بل ستذهب كل دعاوى ومجهودات الاصلاحيين هباءً منثوراً، فلابد من تغيير جذري وهيكلي في بنية الحزب ومؤسساته التنظيمية، وفك الإرتباط التاريخي بين (آل الميرغني) ومناصب الحزب القيادية، فليذهب مولانا لهيئة إرشاد الختمية لا ضير في ذلك، ويبتعد أبناؤه من التحكم والسيطرة في حزب سياسي ناضل فيه الآلاف، ودفعوا ثمن نضالهم منذ الاستقلال سجوناً، وتعذيباً، وقتلا، ومنافي، وهجرات إجبارية.