يقولون إن الذي يفقد «أباه» يصبح «يتيماً» والذي يفقد «أمه» يصبح «عديماً» وبحمد الله وشكره فلقد أصبحت «يتيماً» و«عديماً» خلال عامين. فلقد انتقل الوالد إلى الرفيق الأعلى قبل عامين، والآن لحقت به الوالدة سكينة الشيخ خليفة لترقد بجواره حسب وصيتها التي حرصنا على تنفيذها؛ إكراماً لها ولأُمومتها المتدفقة التي شملت الجميع داخل الأسرة وخارجها. الذين يعرفون الحاجة سكينة -رحمها الله- لم يتركوا لنا شيئاً نكتبه عنها، فلقد كانوا لصيقين بها، وعلى مسافة واحدة معنا، مثلنا تماماً بعبارتها الحنونة التي ظلت تستخدمها مع الجميع، وبدون تمييز، فكل الذين في سن أبنائها وأحفادها تناديهم «بفلان ولدي» والذين في سنها تناديهم «بفلان أخوي» وكذلك البنات والخالات والعمات والحبوبات والأخوات. وكما ذكرت، وبينما نحن مفجوعون بفراقها نعاها الأستاذ الباقر أحمد عبدالله بجريدة الخرطوم، واعتبرها من ماجدات السودان، مشيداًً بوقوفها إلى جوار الوالد الراحل المقيم سيد أحمد خليفة في كل مراحل حياته، داعمة له مجاهداته وجهاده من أجل الحقيقة والحرية، التي كان يدافع عنها بكل ما أوتي من قوة وصبر وجلد. ثم نعاها الأستاذ طه النعمان الذي أُشهد الله أنه كان يودها ويحبها ويحترمها؛ وكأنها ولدته من بطنها، فلقد تحدث عن قصة زواجها بالوالد وتسميتها «بالإختيار» وعند أمومتها التي شملت أخواتي مشاعر وغادة ومناهل اللائي درسن بالجامعات وتخرجن وتزوجن بحمد الله وشكره، ثم تحدث العم طه النعمان عن ذكاء الحاجة سكينة الذي تخفيه بمظهرها كسيدة تقليدية كسائر النساء، مما جعل طه النعمان يداعب الوالد الراحل بعبارته الشهيرة «لم أر أذكى منك إلا الحاجة سكينة». ألم أقل لكم لم يتركوا لنا شيئاً نقوله؟ الأستاذ عبدالباقي الظافر في نافذته تراسيم وتحت عنوان «وراء كل عظيم حاجة سكينة»، والعنوان وحده يكفي، ولكنه تحدث أيضاً عن الوالدة، وعن صبرها على إبتلاءات العمل العام من سجن وتشريد لوالدنا ونحن أطفال، وقيامها بدورها كأم وأب في تربيتنا وتعليمنا. ثم ماذا أقول وماذا أكتب بعد أستاذنا محمد محمد خير، الذي عبر عن حزنه بقلمه الرشيق وكلماته الحزينة المحزونة عن الوالدة سكينة بت جمال كما يحلوا له أن يناديها. كذلك أخونا الأكبر جمال عنقرة الذي كان أول من تحدثت معه وأخبرته بوفاة الوالدة العزيزة ليقوم بدوره ويخبر أخي عادل بطريقة يتقبل بها الخبر المحزن. أخي رحاب طه أيضاً نعاها «بالوفاق» وتحدث عنها، فلقد كان واحداً من أبنائها، وحزنها على الشقيق محمد طه محمد أحمد ظل جرحاً غائراً نازفاً؛ لأنه كان يأكل معها «القراصة بالويكة» و«تلقمه» معنا. والخال أحمد الشريف تحدث باسم أهلنا في «ود بلال» مسقط رأس حبوبتنا فاطمة بت علي ود بلال ونعى الوالدة وتحدث عنها حديث العارفين الذين تربوا في كنفها وفازوا بأمومتها. أما الأخ أبو بكر عثمان الزومة الذي قطع الشك باليقين أن الحاجة سكينة كانت وستظل أماً للجميع، ثم تحدث عن عدم تراجعها وتزحزها في مشاركة زوجها ورفيق دربها الراحل سيد أحمد خليفة هموم الوطن وهم المواطن في معاشه وتعليمه وصحته ومأكله ومشربه. الأستاذة صباح محمد الحسن اعتبرت المرحومة صحيفة، وكانت محقة في ذلك، وذكرت أن ابتسامتها فيها خط عريض «مانشيت» ينافس الصحف ويحقق أكثر مبيعاً. ولعمري هذه أكبر صفة كانت تتمتع بها الوالدة الحاجة سكينة التي وكما ذكرت الأخت صباح تمنحك الإبتسامة، ومعها كانت الظروف تشعرك بالإنتماء إليها والشعور بأمومتها وأُخوتها. الأستاذ الطاهر محمد خليفة عمنا الذي يذكر في كل مجالسه أن التي ولدته هي الحاجة «سيدة» والتي ربته هي الحاجة «سكينة»، ويقول: من نعم الله عليه أن منحه «أمين». اللهم ارحم والدتي «أم الكلّ» الحاجة سكينة وأسكنها فسيح جناتك واجعل قبرها روضة من رياض الجنة، ولا تحرمنا أجرها ولا تفتنا بعدها.. آمين يا رب العالمين.