نفرد زاوية هذه الاستراحة اليوم للحديث عن ذكريات تاريخية ومواقع جغرافية سكنية وتعليمية كانت قائمة بمدينة شندي العظيمة الجميلة خلال الاعوام 47 الى أواخر 1950 من القرن الماضي ولازال العديد منها باقياً ماثلاً محافظاً على تاريخيته الأساسيه حتى الآن غير متأثر بمتغيرات الزمن العمرانية والتكنولوجية التي عمت جميع بلدان دول العالم ونحن منها ومعها في جميع مستجدات التطور والتقدم. ولكن برغم ذلك ظلت مدينة شندي باقية على تراثها المجيد وبنياتها الاثرية التي نحن بصددها الآن. كانت مواقع شندي السكنية والتجارية والتعليمية في ذلك الوقت موزعة على عدة جوانب.. فالسكن في ذلك الوقت كان يحتل مواقع هي حي المحطة مربع واحد القديم الجاور لشرق محطة السكة الحديد والممتد شرقاً الى ما لا نهاية وجنوباً الى حلة «بادقس» وشمالاً الى ساردية والقوات المسلحة في ذلك الزمن ولا أدري إن كانت الآن في موقعها أم طالته لآخر لانني مع الاسف لم أقم بزيارة قريبة الى تلك المدينة التي يقتلني الشوق الى مشاهدتها الجديدة الجميلة واجترار ذكرياتي السابقة فيها. أما الجانب الآخر فهو يقع غرب المحطة ليمتد الى حلة البحر غرباً وجنوباً الى شندي فوق. وعندما أذكر شندي فوق هذه فإن أول ما يدور بخاطري يوم زيارتنا لضريح السيدة ام كلثوم «ستي كلثوم» رضى الله عنها. وشمالاً الى حلة بكتر وشقالوة الكنوز. اما نحن في احياء محطة السكة الحديد كانوا يسموننا «اولاد البيوت الزرق» ذلك لأن غالبية تلك المواقع كانت تحتلها المنازل المتخصصة لسكن العاملين بالسكة الحديد من مفتشين ونظار محطة وكماسرة وسايقي قطارات وكانت واعتقد لازالت جميع ابوابها تطلى باللون الاسود الفاتح الذي جعلها تسمى بالبيوت الزرق وحتى المدارس كانت ابوابها تحمل نفس اللون وبالذات مدرستنا نحن وقتها وهي المسمى بالاولية في ذلك الوقت وهي نموذجية خاصة لأبناء العاملين بالسكة الحديد. ولهذا كان يطلق علينا اسم اولاد البيوت الزرق. أنا شخصياً ما كنت اسكن بتلك البيوت بل كان سكنى شرق المحطة على حافة شارع السلك مع خالي المرحوم محمد محمود عبدالله رحمة الله عليه حيث كان كمسارياً بالقطارات الى أن وصل الى درجة ناظر محطة وهو الذي أدخلنى تلك المدرسة النموذجية التابعة للسكة الحديد وهي ذات الابواب الزرق. كانت تلك مدرستنا الاولية حيث كنا نحن تلاميذها في الاعوام 47 - 48 - 1950 أنا وما معي من دفعة هم سيد وأحمد بيومي وعامر محمد عامر ثم معتصم وشقوري وغيرهم.. وبالحقيقة كنا وقتها عبارة عن تلاميذ كبار السن لحدٍ ما.. وكان مديرها وناظرها ومعلمها هو الأستاذ عثمان أبوالدهب رحمة الله عليه فقد كان نعم الأب والمعلم ويساعده الأخ الأستاذ علي بمبه أقول الأخ لأنه بالرغم من أنه معلم لنا ما كنا نصغره أو يكبرنا كثيراً ولكننا نحترمه ونقدسه كمعلم. وفي ذات الوقت كنا نحن طلاب الصف الثالث النموذجي يتم اختيار واحداً منّا ليذهب مدرساً لفصل الرياض التابع أيضاً للمدرسة .. وهكذا كان مستوى التعليم في ذلك الوقت من الفاعلية التي تمكن تلميذ بالصف الثالث من المرحلة الأولية التي تساوي الأساس الآن ليصبح في ذات الوقت مدرساً لتلاميذ أو براعم الرياض. المهم قلت كل ما يتبع لسكة الحديد من سكن ومدارس كان يطلى باللون الاسود او الازرق. ولهذا كانوا ينعتونا بأولاد المدارس والبيوت الزرق وفي ذات الوقت يتهموننا بأولاد المصارين البيض المدللين. وبالمناسبة وبرغم طول الزمن وما حدث من متغيرات ومستجدات لمدينة شندي الجميلة أصلاً وما أضيفت اليها من جماليات..إلا أن لازال جزءاً كبيراً من سابقاتها لازالت باقية شامخة وفي مقدمتها مواقع سكننا المواجهة لمحطة السكة الحديد شرقاً بمربع واحد القديم كما ذكرت وبوابة مدرستنا القائمة كبوابة عبدالقيوم بأم درمان. تقف بوابة تلك المدرسة بشندي شاهدة على عزتها وتاريخها التليد مواجهة لمحطة السكة الحديد من الجانب الغربي متيحة لكل الناس مشاهدتها التاريخية العظيمة. وها نحن الباقون في الحياة نعزها ونقدرها مترحمين على من توفاهم الله سبحانه وتعالى.. وابداً فيك يا شندي شفنا وعشنا كل رائع وجميل.. نعم نحن أولاد البيوت الزرق.