سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
(الوطن) في أجرأ حوار مع الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم«2» (الوطن) في أجرأ حوار مع الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم«2»
النائب الأول لرئيس الجمهورية والأمين العام للاتحاد الاشتراكي في العهد المايوي:
عندما سألني النميري.. ما مصدر أموال التبرعات؟
هو أحد قادة مايو 9691 وأكثرهم شهرة لمواقفه التي تصدى فيها لمجريات الأحداث إبان الحكم المايوي من تمرد أو عصيان أو إنقلابات أو «مرتزقة» وذلك لتغيير نظام الحكم، كان يعرف بحسمه وجرأته ومصادماته هذا من الناحية العسكرية، أما من الجوانب السياسية فقد كانت له مواقفه التي لا يخفيها ضد المصالحة مع القوى السياسية تبوأ مراكز (قمة) كنائب أول لرئيس الجمهورية وأميناً عاماً للاتحاد الاشتراكي (التنظيم الحاكم) (الوطن) تحاور هنا الرائد ابو القاسم محمد ابراهيم الذي ملأ الساحة السودانية ضجة وضجيجاً سواء اختلف (الناس) حوله أو اتفقوا معه . لازال يتحدث بروح الثوار.. يلوح بيديه.. يرتفع صوته .. تخرج الكلمات قوية.. كان حوارنا معه ساخناً ملتهباً.. ولنبدأ ولنقرأ ما قاله وليكن بنفس الحماس .. إذ يؤكد أن مايو وتاريخها وأحداثها ملك للجميع ولهم الحق في الكتابة عنها .. فلنتابع الحوار وما دار فيه من أحاديث: ٭ دعنا نعرج من السياسة للإقتصاد.. ما التغيير الذي طرأ على الإقتصاد بالنسبة لكم؟. - بعد أن أكدنا استقلالنا السياسي لا تبعية لدول الاستكبار أو حتى تبعية للرجعية أو التوريث اتجهنا للنهوض بالإقتصاد فهل لك أن تعلم أن ميزانية السودان عام 8691م كانت (000،09) جنيه فقط أي كانت البلاد تعيش في أزمة مالية خانقة وبلا موارد ومن ثم عملنا على زيادة مواردنا بإنشاء مشاريع التنمية (الرهد - كنانة) وأعدنا الروح لمشروع الجزيرة وصدرت قرارات المصادرة التي شملت الأجانب الذين كانوا يتحكمون في إدارة الشركات وصادرات وواردات البلاد تبعتها قرارات التأميم التي أعادت الشركات والمؤسسات لإدارة القطاع العام وشمل ذلك المؤسسات التمويلية والبنوك ثم (انفتحت) البلاد إقتصادياً للتعامل مع كافة دول العالم وهو ما يسمى بتحرير التجارة الخارجية وتعاون معنا أساطين الإقتصاد كما تم تشييد مصانع السكر والتعليب والألبان. ٭ حفلت سنوات الثورة الأولى بأحداث كبيرة ومنها المصادمات والمناوشات مع أنصار الجزيرة أبا وكنت أحد الذين قادوها ما أسرارها؟. - هنا وبحماس قال: أولاً ليعرف الجميع أننا أبناء الأنصار وتربطنا بهم أواصر قوية، فالبيوت التي انحدرنا منها عقيدتها أنصارية توارثناها جداً عن أب (كهاشماب) والذين عرفوا بالتقوى والعلم و(التدين) ألا يكفي هذا أي أننا كأسرة لم نكن لدينا خلافات مع بيت المهدي لذا فإن ما حدث لم يكن صراعاً مع الأنصار خاصة عندما نما إلى علمنا تحدي الجزيرة ابا لمايو وخروجها عن طاعتها وكان ذلك في مارس 0791م. يومها توجهت للجزيرة أبا للإلتقاء بالسيد الهادي المهدي إمام الأنصار وجلست معه لساعات تحاورنا خلالها حول ما يدور من أحداث داخلية لها تأثيرها على مستقبل البلاد ووحدتها وما يحيط بها من مؤامرات وإنقسامات وأكدت له تقديرنا لشخصه كإمام للأنصار باستطاعته إطفاء نيران الفتن والخلافات والوصول لاتفاق مع نظام الحكم الجديد وبالفعل وجدت منه تفهماً كاملاً ، حيث أكدت له أن النظام لايستهدف أحداً ولا يعادي أحداً وطلبت منه أن يبقى في الجزيرة أبا وفي (أمن وأمان) وكنا يومها قد إقتحمنا (الجاسر) بالقوات عنوة وإقتداراً. وكانت المفاجأة إنسحابه وخروجه من الجزيرة أبا بدعوى الجهاد وبصحبته مجموعة من أتباعه المقربين حيث استغل عربة لا تليق به (متهالكة) وذات اعطاب لم تمكنه من اجتياز الحدود، أما ما حدث له فهي قصة مؤسفة يعلمها الجميع وبتفاصيلها .. وحزنت فعلاً لما حدث.. رحمه الله.. وحتى بالنسبة للرئيس نميري فإنه من أسرة أنصارية مما دفعه للجلوس مع آل المهدي والتفاكر معهم حول دعوته للوحدة الوطنية ونبذ الخلافات وتوحيد الرؤى حول إدارة شؤون البلاد وتفويت الفرصة للمتربصين بأمن البلاد واستقرارها سواء من الطابور الخامس الداخلي أو قوى الاستعمار، مؤكداً لهم أن الثورة المهدية كان هدفها إجلاء ومحاربة الاستعمار ولهذا قدمت تضحياتها في كرري وشيكان وعبر التفاف أهل السودان حولها انتصرت على المستعمر والغزاة وكانت محل حديث العالم خاصة بعد إغتيال (غردون) داخل قصره وحصونه. ٭ هناك مقولة إن مايو نهشت أولادها.. وأنت أحد قياداتها.. ما علاقتكم بالرئيس نميري كشخص؟. - كانت تربطني به صداقة وطوال حكم مايو كنا نتعاون في إدارة شؤون البلاد وقضاياها الوطنية نعمل معاً من أجل رفعة الوطن ونمائه وتقدمه خاصة وأن هدفنا تمليك السلطة للشعب بجميع طوائفه ومن خلال تنظيماته الفئوية والجماهيرية (قوى الشعب العامل) وتنظيمه الحاكم (الاتحاد الاشتراكي) السوداني وكانت النتائج واضحة التوسع في الخدمات من تعليم وصحة ومشاريع تنمية وطرق وحتى القرى إمتدت لها الخدمات ومياه الشرب عبر (محاربة العطش) فالاتحاد الاشتراكي هو بوتقة الوحدة الوطنية ضم كل ألوان الطيف السياسي والحزبي والعمال والمزارعين والمهنيين، وكنا نتحدث بشفافية ونواجه الشائعات التي تدور حولنا فمن الأشياء الطريفة التي أتذكر أن الرئيس نميري وجه لي سؤالاً.. من أين تأتي (بالقروش) التي تتبرع بها يمنة ويسرى.. قلت له: هل تريد أن أتبرع لك .. هنا (ضحك) وبالفعل طلب مني التبرع لبناء سور ميدان الخليفة بأم درمان، وهكذا قضينا على الشائعة في مهدها إذ أن المبالغ التي أتبرع بها من المال العام ومرصودة أوجه صرفها بل ومصدرها بواسطة المراجع العام.. ويذكرني ذلك باتهامي بملكية عمارة (بالمغتربين بحري) حيث اتضح لمحكمة ثوار مايو بأن مالكها (طباخ) يعمل مع أحد الأمراء واسمه (أبو القاسم محمد إبراهيم). أما حكاية مايو تنهش أولادها فإنها مجرد مقولة فارغة من معناها، وذلك لأن طبيعة الثورة تتجدد في أطوارها وأهدافها ولكل مرحلة قياداتها ودوام الحال من المحال واؤكد لك أنه لم تحدث خلافات بيننا وصداقاتنا مع زملائنا الأحباء لازالت قوية ومستمرة كيف لا ونحن أبناء جيل واحد ودفعة واحدة وفي أعمار واحدة قادنا حماس الشباب الى إحداث التغيير الذي كنا نحلم به في لقاءتنا وإجتماعاتنا بالرغم من أننا جميعاً نحمل رتبة الرائد إلا بعضنا كالرئيس نميري (عقيد) وبعده من كان (مقدم) وبالنسبة لي هل لك أن تصدق بأنني تخرجت عام 2691م لقد كان فكرنا موحداً وقومياً محوره النهوض بالبلاد والقضاء على الخلافات والعنصرية والصراعات ومحاربة أمراض العصر الجهل الفقر المرض والتخلف الذي يسود ريفنا الحبيب الذي بدأنا في تغيير وجه الحياة فيه عبر مشاريع التنمية الريفية واستقرار الرحل ومحاربة العطش، وفي عهدنا إرتفع عدد المدارس والجامعات الى 0001% ، وشهدت المناطق الريفية مشاريع التنمية (الرهد - كنانة - عسلاية) ومصانع السكر وتجولت قيادات مايو والتقت كثيراً بجماهير الريف مستمعة ومستجيبة لمطالبها خاصة وأن الكل وخلال حكم مايو أصبح قيادياً سواء في التنظيمات أو الأجهزة (السياسية - التشريعية - الشعبية). ٭ كانت الإنتفاضة هي الحدث الذي أدهش العالم والمواطنين.. وكان هدفها إزالة نظام مايو الذي استمر لستة عشر عاماً.. وبالرغم من رسوخه كما يظن البعض إلا أن المد الجماهيري أنهى ذلك النظام بماذا تعلق؟. - أولاً كان لوجود الرئيس نميري خارج البلاد وتحديداً مصر أثره لإطفاء حرائق الفتن والصراعات والإحتراب بين أنصار مايو وتنظيماتها والأحزاب والمعارضة، فقد حالت دون سفك الدماء وحمل السلاح والاقتتال وظهور الماليشيات المسلحة أو حتى ظهور ما يسمى حالياً بالبلطجية أو الشبيحة الذين يؤججون الصراعات وبذا حمى الله البلاد والعباد وإلا لامتلأت الميادين بأرتال الشهداء وساد الدمار والخراب وذلك لأن عناية الله جعلتها سليمة 001% والا لحدث لبلادنا ما نشاهده اليوم من حروب أهلية وتدخلات أجنبية وتدويل في بعض الدول التي فشلت كافة الجهود لإنهاء صراعاتها الداخلية والمؤامرات الأجنبية، حيث احتدم الصراع بين كافة الجهات وللآن وكان الله في عونهم. ومن جانبنا إحترمنا رغبة الجماهير و(حلنا) دون الصدامات بين أنصار مايو والإنتفاضة خاصة بعد أن تسلم المجلس العسكري الانتقالي السلطة بجانب مجلس الوزراء الذي تمّ إختياره إقتناعاً بأن من تسلم السلطة هم من أبناء القوات المسلحة ومن القيادات العسكرية التي كانت تفخر بها مايو وبهذه المناسبة فإنه بالرغم من الأصوات التي إرتفعت لإزالة آثار مايو إلا أن جميع المنشآت لازالت شامخة كصروح تنموية بما فيها قلعة قاعة الصداقة. ٭ بالرغم من إقتناعكم بحكم الجماهير والمنظمات الجماهيرية والفئوية إلا أنه يشاع بأنكم تعادون المثقفين .. ما ردكم؟! - لايختلف أثنان .. أن مايو استقطبت لصفوفها غالبية مثقفي السودان ونفضت عنهم الغبار لابتعادهم عن المشاركة في التنظيمات الحزبية لإختلافات في وجهات النظر بجانب أن الأحزاب أوصدت الباب أمامهم لتقلد المناصب القيادية وتركتهم مجرد (أفندية) أما بالنسبة لمايو فقد حدث العكس تماماً.. جميع الابواب مفتوحة (المثقفون) يشغلون مناصب دستورية - سياسية - وزارية - وحتى في المجالس التشريعية الكل (تذوق) حلاوة (السلطة) وطالما أن هذا وضع (المثقفين) فكيف نعاديهم .. وهم الذين تحملوا معنا المسؤولية وقادوا مسيرة مايو .. بشروا بفكرها.. أما بالنسبة لعملنا في الوزارات فقد رأينا تهاوناً في بعض المواقع وتقاعساً عن أداء المسؤوليات هنا كان لزاماً علينا التعامل بحسم حتى لو أدى ذلك لإقصاء أو إبعاد المسؤول الى موقع آخر مما اعتبره البعض معاداة للمثقفين بينما هدفنا أن يكون ذلك المسؤول (المثقف) مثالاً للتضحية وخدمة الجماهير وتحقيق تطلعاتها في الحياة الكريمة كهدف للثورة نفسها، وكنا نرى ضرورة تلاحم المسؤول مع الجماهير بدلاً عن (ملازمة) مكتبه الذي يحول دونه ومتابعة ما يجري ميدانياً. ٭ فوجئ العالم بتطبيقكم للشريعة الإسلامية.. رأيكم .. مدى مشاركتكم فيها؟ - قوانين الشريعة وضعها نميري بمشاركة (عوض الجيد - ابوقرون - بدرية سليمان) ويطلق عليها اليساريون (قوانين الشريعة 38) أو قوانين سبتمبر وبعد جدال ومناقشات استقر رأي نميري بتعديلها ومراجعتها بالتدرج وبعدها صدرت منشورات لتصحيح القوانين، أما بالنسبة للمواطنين فقد تحمسوا لتطبيقها لأنها قضت على الإجرام والفساد وبالرغم من أن هناك خلافات نشبت بين رئيس القضاء وأولئك الذين شاركوا في وضع القوانين وهنا تمّ إعلان محاكم الطوارئ. ٭ نميري كحاكم وكشخص.. عملتم معه.. ماهي مزاياه.. ما أثر الانقلابات التي (وقعت) على نفسه؟. - سلسلة الانقلابات التي حدثت كانت بمثابة طموح شخصي لغياب ثقافة الرأي والرأي الآخر، لكن السبب انعدام ميثاق أو توافق وطني يحدد نظام الحكم المطلوب وكلها من تبعات الاستقلال حيث كرس الاستعمار روح القبلية وشجع قيام الحركات السرية والتيارات السياسية سواء كانت حزبية (إسلامية - قومية - شيوعية) ولم تتح الفرصة للحوار بل احتدم الصراع فقط حول السلطة وحان الوقت لاقرار مشروع وطني يلتف حوله كل أهل السودان وعودة الحياة الحزبية دونه فإن الحال لن يتغير طالما أن الصراعات لا تتوقف فالكل يريد إبعاد من سواه عن الحكم. وعن نميري أقول إن له مزية مهمة أنه كان لا يتدخل في عمل الوزراء، كما أنه كان رجلاً منظماً يستدعي قادة التنظيم الى الاتحاد الاشتراكي وقادة الخدمة العامة الى قاعة الصداقة ويأتي بالسياسات والخطط الخاصة بالجهاز التنفيذي الى مجلس الوزراء ويظل يتابعها بدقة وفي حالة غياب أحد الوزراء كان (يعين نفسه) وزيراً بديلاً، لذا كان الوزراء يحافظون على أدائهم، ومن عاداته أن يقود سيارته بنفسه ليلاً متفقداً الأوضاع ومستمعاً للمواطنين الذين يلتقي بهم. ختاماً أقول يكفي أن الرئيس جعفر نميري بعد تلك الشهرة داخلياً وخارجياً توفي داخل منزله، المتواضع (بودنوباوي) وأنه كان مثالاً للنزاهة ولم يتحصل على مال (مشبوه) ليدخل جيبه، وبهذه المناسبة اعكف الآن لإسترجاع ذكريات مرتبطة بمايو لاعداد كتاب (أسرار مايو) وكل الشعب السوداني له إلمام بتلك الحقبة لمشاركته في صنع أحداثها ولكم أن تكتبوا ما تشاء لكم أنفسكم.