سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الوطن ترسم صورة قلمية عن الهجوم والفظائع (1) أبوكرشولا... قصة(الكلب الأمريكي) والنزوح من جحيم الحرب تحت ظلال أشجارالمانجو..
لماذا بكت الحكّامة؟ وما سرّ تسمية أبوكرشولا.. وأين دفنت والدة عبد العزيز الحلو؟..
معسكرات النزوح : عبد الوهاب موسى
القدر وطمع الساسة، سواء أكانوا متمردين أومدنيين أحال أبوكرشولا أو عروس جنوب كردفان، كما يحلو لبعض سكانها لاسيما الحكّامات أن ينعتوها به.. أحالها إلى بلد أشباح يكثر فيها الوطواط مع غروب الشمس، واتكائها عند المغيب، وفحيح الثعابين ،وصفير الصراصير، والجنادب ليلاً، فلقد تشرد أهلها وحرمهم التمرد من التمتع بجماليات الخضرة والثمار والزرع والضرع ،فلاذوا فراراً من جحيم الموت إلى مدينة الرهد أبودكنة الوادعة الآمنة، فلقد كان «جبل الداير» الشامخ شاهد على أدق تفاصيل مأساة نساء وأطفال وشيوخ أرهقهم عناء المسير لا بالظعينة، إنما تحت ظلال سلاح متمردي الجبهة الثورية من دوشكات.. ودانات.. والكلب الأمريكي ذو العيارالسام، الذي يمنع من لايقتله من القدرة على الحركة ولاتبادل إطلاق النار، بل يتسبب فى عطشه وارهاقه ... أبوكرشولا المنطقة التي تجمع بين تقاليد أهل القرى وتطلعات أهل المدينة يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر ولكن أخذت فى ذيع صيتها بقوة أيام الثورة المهدية وأيضا هذه الأيام ،كان يسكن هذه البلد مواطن يسمى «أبوكرشولا» فسميت عليه، لكن قبل هذه التسمية، كان يطلق عليها اسم «الدليبة» نسبة للوجود الكثيف لأشجار الدليب بالمنطقة ، تعددادها (78) ألف نسمة، لها سوق يجمع التجارمن مدن عدة فى يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع ،تبعد 90 كيلومتراً من مدن أم روابة، وتبعد المسافة بينها والسميح نحو 81 كيلو ونحو 73 كيلو من الرهد أبودكنة .. مواصلاتها الرئيسة الرابطة بينها والمدن المجاورة الحافلات والبصات، بها مدرستين ثانويتين حكوميتين للبنين والبنات، وأخرى خاصة وعدد كبير من مدارس الأساس تمثل رئاسة الوحدة الإدارية وتتبع لمحلية الرشاد بولاية جنوب كردفان، بها أبراج لكل شبكات الاتصالات ،وبها دار للنفرة الخضراء بجنوب كردفان وكلية الزراعة التابعة لجامعة الدلنج، هى قريبة جدا ((40 كيلو من قرية أم دفونة بالفيض عبد الله مسقط رأس عبد العزيز الحلو، ومحل مقبرة والدته التي لبت نداء ربها قبل نحو خمسة أعوام، وقريبة من منطقة سدرة 37 كيلو فى الحدود مع ولاية شمال كردفان. جاذبية أبوكرشولا لأهلها والذين يعرفونها جيداً تجعلهم لايطيقون الجلوس تحت أشجار النيم الظليل فى معسكرات النازحين بمدينة الرهد (المدارس العشرة) ليس لأن المعسكرات طاردة، ولكن لما لأبوكرشولا من وقع خاص فى نفوسهم.. فهي جزء من مزاجهم اليومي فالحكامة يسبقها دمعها وتتبلل ثيابها عندما تسألها عن هول الكارثة، وبينما هى مجهشة بالبكاء لا تتحدث عن ميزات آلامها الخاصة، بل تئن فى عبارات مرصعة بمعاني الصدق، وتحكي عن فقد مدينة امتزج فيها حب الناس بالأرض والطبيعة والجمال، ويبتئس وجهها وتخفي حزنها وألمها وراء ثيابها المعطونة فى مياة عشق أبوكرشولا.. وأشجار المانجو ومنتوج الجروف، لكن امرأة آخرى طاعنة فى السن لايستهواها عدس معسكرات النزوح، فتفضل أن تعود بها الأيام بعجالة، وتحملها قبل أن تغمض جفنها إلى أرض الجدود والآباء أبوكرشولا ، فمدينة الرهد أبودكنه (مسكين ماسكنه ) كما يحلو لأهلها أن يسموها.. تتخذ من جبل (الداير) الشامخ ساتراً بينها وخط النار الأمامي الذي تتحرك فيه القوات النظامية لاسترداد أبوكرشولا من جهة، وتعطي مساحة الأمل للنازح بإيوائه فى المعسكرات التي تضم 32 ألف نازح، زادهم فيها من باطن الأرض من فومها وعدسها وبصلها والعصيدة.. وأشياء أخرى.. نعم المعسكرات أمطرها أهل السودان بالخير الوفير من الأغاثة، ومع ذلك فليس بالخبز وحده يحي الإنسان ،فهناك مطالب أخرى يحتاجها النازح أقلها إزالة آثار الصدمة من هول الفاجعة.. وقد شرع المجلس القومي للطفولة بقافلته النوعية فى محاولة لامتصاص الصدمة لدى الأطفال ،الذين يشكلون 40% من النازحين، فرسم أطفال نازحون فصول رحلة الهرب من جحيم الحرب وآخرون رسموا أسلحة قاتلة وفتاكة شاهدوها لحظة الهجوم على أبوكرشولا وآخرون عادوا ليمارسوا هواياتهم لاسيما كرة القدم .. وبقدرما أن الكبار من النازحين رسموا ل(الوطن) صورة المأساة وروا الفظائع ،لكن تعبير الأطفال فى رسومهم كان أبلغ ،فصور المعاناة والفظائع كثيره سترويها (الوطن) بالتفاصيل، خاصة حادثة المعلم الذى نجا من الأسر بعد أن حبسته الجبهة الثورية لثلاثة أيام ،كما أن مقتل العالم محمد أبكر أحد أعيان المنطقة وشقيقه المهدي هو الآخر روايته تحكي عن بشاعة فى القتل والأصرار ،وسبق الترصد .أما الرجل المسن المصاب بالشلل والذي وصل إلى المستشفى فى حالة متأخرة وتم إسعافه، فقد كشف أهوال ماحدث له وصوّر مادار ببراعة ..هذه الحكايات وقصة العريس الذي ماتت فرحته قبل ميلادها تفرد (الوطن) لها مساحات فى سلسلة تقارير.. نواصل..