سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
عبير الأمكنة معاوية أبو قرون
زريبة الشيخ البرعى
« الناس هنا طعم آخر» عابدون زاهدون حامدون شاكرون
على عثمان وبرفقته ابراهيم السنوسى قال: الشيخ البرعى « صاحب قَََََََََدح مليان» و» قدح معلا فى البيان»
نشد اليوم الرحال اليها باعتبارها من المعالم السودانية التى تتميز بعبق وعبير وتأثير على النفوس. زريبة الشيخ البرعى هى مدينة فاضلة ولكن ليس على النمط الافلاطونى بل على نمط رسالى اخلاقى قيمى مشبع بروح الاسلام الدين الوسط... رحلة واحدة يتيمة زرت فيها الزريبة فكان المكان ليس كبقية الامكنة والمناسبة لم تكن عادية بل كانت حدثاً إستثنائياً يتمثل فى زيجة مكونة من ستة الآف من الشباب والشابات أسماها الشيخ البرعى بزواج « الخير والبركة» ... والزمان كان فى العام 1999م والضيف القادم لهذه المناسبة هو الاستاذ على عثمان محمد طه النائب الاول لرئيس الجمهورية والذى جاء الى الزريبة وفى معيته وفد كبير من حيث الشكل والمضمون... ووقتها كان الاستاذ ابراهيم محمد السنوسى والياً لشمال كردفان... الزيجات جاءت وذووها من كل مكان فى السودان، قابلت فى تلك الزيارة الفريق شرطة عباس مدنى مدير عام الشرطة الأسبق وفى تلك السانحة تيقنت من حالة الارتباط الروحى مع الشيخ البرعى حيث ذكره فى عدد من مدائحه بالاسم أشهرها « عباس وود الشامى» والتقيت بالمرحوم سمير الشامى والذى إنتقل الى رحاب الله تعالى العام الماضى بالمملكة العربية السعودية... وتجاذبت أطراف الحديث معهما حيث تربط بينهما آصرة الآخاء فى الله وتجمع بينهما حالة الهدوء الذى يتميزان به، كيف لا فالصوفية تعلم الناس الهدوء والرقة والتأمل مع القرآن والاذكار والدعوات وحسن الظن بعباد الله كافة... الناس هنا طعم آخر: زريبة الشيخ البرعى قلت أنها مدينة فاضلة مملؤة بالرقائق من الكلم والتصرفات، الجميع سواسية فيها... الناس هنا لهم طعم آخر فهم عابدون حامدون زاهدون شاكرون ذاكرون... كلامهم ذكر الله تعالى « قراناً وتلاوة وتهجداً وقياماً وأذكاراً... طعامهم « دعاء بظهر الغيب لحاضرهم وغائبهم ولحيهم ولميتهم « وماءهم طهر وعفاف وكرم وجود وأدب وتسامح وود ومحبة. « قدح مليان « و « قدح معلا»: الاستاذ على عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية جاء الى الزريبة ليشهد الزيجة المباركة لسته الآف من الشباب والشابات وخاطب المحتفلين مهنئاً مباركاً وقال كلمات فى حق شيخ الزريبة مازالت ترن فى أذنى « الشيخ البرعى صاحب « قدح مليان» و « قدح معلا فى البيان»... بيان اللغة شعراً وأدباً ومديحاً للمصطفى صلى الله عليه وسلم وبيان بعمل فهو رجل يقدم للمجتمع حزمة من الفضائل فهو يرعى تزويج الزيجات ويتولى فى مسيده الحفظة والشيوخ حتى تكون تقابة القرآن الكريم نيران متقدة ومضيئة. الزريبة صورة من قرب: لأن زيارتنا للزريبة كانت فى يوم غير عادى فصورتها كانت أيضاً غير عادية لكن البعض صوبنا وقال إنها صورتها العادية... « الحفظة ومعهم الشيوخ فى المسيد يوالون حفظ القرآن الكريم وتلاوته آناء الليل واطراف النهار» صناع الطعام يوالون مهامهم الوجبات الثلاث كل واحدة فيها لاقت الاخرى لم يتوانوا فى تقديم خدماتهم لأحد ... فالناس هنا متساوون لا كبير ولا صغير فالجميع ضيوف والضيوف فى الزريبة ووفقاً لميثاقها الشرفى مكرمون معززون. والمدهش فى ذلك كل هذه الاعداد وجدت حظها من الاكرام بدقة متناهية ووجدت نُزل الاقامة حيث تحولت الزريبة كلها لمضيفة كبيرة حيث قارب الحضور لعشرين الف شخص... تجولنا فى سوق الزريبة حركته التجارية نشطة بفعل الضيوف والزوار... قال لنا تاجر نحن هنا نتق الله تعالى فى البيع والشراء... ابونا الشيخ البرعى يحذرنا من الغش والتدليس وتطفيف الميزان يدعونا للاتقان والجودة ويستدل بالآيات والاحاديث، هذا السوق لن تجدوا فيه « مكروهات للبيع» أما الحرام فحد الله تعالى مابيننا وبينه. أحاديث من العمق : من حسن حظنا أننا وصلنا الى الزريبة صباح يوم الاحتفال بطائرة مروحية مباشرة من الخرطوم الى الزريبة والاحتفال كان عصراً ومساءً... وقد اتيحت لنا فرصة التعرف الى الشيخ البرعى والتحدث معه، والانطباع الذى خرجت به منه هو العمق فى الحديث مع البساطة الممزوجة بالتواضع الجم والنصح والارشاد مع الفكاهة أى انه ينصح ويرشد بصورة « فكهة» لأن أى نصح تصاحبها غلظة يرتب ردود فعل سالبة. وأذكر انه قال لنا: ان اول زواج جماعى أقامه فى الزريبة كان عام 1963م بعدد 163 زيجة حيث كان المهر وقتها للزوجة البكر عشرة جنيهات وللزوجة الثيب خمسة جنيهات... وعن الزيجة التى كانت بصددها زيارتنا قال ان عدد افرادها 3000( ثلاثة الف) زيجة اى 6000 ( سته الف) زوج وزوجة حيث قدم لهم شنطة ملابس بها عدد من الملبوسات بواقع ثلاثة قطع من كل صنف ومبلغ من المال 500 خمسمائة دينار أى خمسين جنيهاً بحساب اليوم بالاضافة لعدد 2 أثنين سرير و2 اثنين مرتبة وطست غسيل وجردل غسيل وأوانى منزلية « صحون – كبابى – معالق – صوانى « وابريق ومصلاة ومصحفين لكل زيجة. 18.000 قسيمة زواج: اشرفت على هذه الزيجة محكمة أم روابة للاحوال الشخصية باعتبارها المحكمة التى ينعقد لها الاختصاص المكانى لوقوع مدينة الزريبة فى إختصاصها الجغرافى حيث تولى مولانا عبدالوهاب محمد أحمد القاضى المقيم ومجموعة من المآذيين وعاونهم عدد من الاشخاص تعبئة 6000 سته الف قسيمة زواج وكل واحدة منها بصورتين مما يعنى انهم عبأوا ثمانية عشر قسيمة زواج بكل البيانات المعروفة « اسم الزوج – اسم الزوجة – وكيل الزوج – وكيل الزوجة – الشهود - العناوين... الخ» ثم قام السيد القاضى والمآذيين بالتوقيع على جميع القسائم وختمها حيث استغرقت معهم العملية منذ ضحى اليوم الأول حتى صباح اليوم الثانى حيث عملوا بهمة عالية وبدون توقف. طرفة لاتنسى: الرحلة رافقنى فيها المصور المعروف كرار أحمد عبدالخالق وهو علاوة على تجويده لآدائه كان ولم يزل صاحب نكته وطرفة حاضرة... وكنا قد أستغلنا كوفد مقدمة للزيارة طائرة مروحية « الرآية الخضراء» ذهاباً وإياباً من الخرطوم الى الزريبة ثم الخرطوم وفى رحلة الذهاب يبدو أن كابتن الطائرة قد اخطأ فى إحداثى الزريبة وهبط بسلام فى منطقة أم دم حاج احمد وهى تشابه الزريبة من حيث التوصيفات العامة والجغرافية وعندما نزلنا تجمع حول الطائرة بعض اهل المنطقة وعرفونا انها ليست الزريبة وهنا طلب اثنان من الاخوة المواطنين كابتن الطائرة بالذهاب معنا الى الزريبة وهنا وقبل ان تقلع الطائرة أطلق كرار احمد عبدالخالق طرفته وقال موجهاً حديثه الى الكابتن « تعرف ياكابتن ربنا سبحانه مقدر منذ الأزل ان تسقط هذه الطائرة ويموت ركابها الثلاثة عشر « إنت ونحن» ومعهم أثنان يسكنان ام دم حاج أحمد فأخطأت الهبوط فى الزريبة وهبطت فى ام دم حاج احمد ليركب الاخوان الاثنان ليموتوا معنا لانه مكتوب لهما ان يموتا فى حادث طائرة ... فضج الجميع بالضحك الشديد ... وقال الكابتن مازحاً والله انا خفت لكنى متوكل على الله تعالى... وبالفعل تحركت الطائرة ووصلنا الزريبة بعد سبع دقائق من الطيران... ولم تحدث توجسات الأخ كرار والتى كانت مجرد طرفة ظريفة.