إذا كانت لكل مدينة ملامحها الخاصة بها، فإن مدينة ود مدني تنفرد بالإبداع ربما كان لموقعها الجغرافي. إذ تقع على الضفة الشرقية للنيل الازرق اثر في ذلك، لكن الشاهد أن المدينة انجبت الكثير من المبدعين الذين اثروا خارطة الفن في السودان بعمالقة وضعوا بصماتهم في تاريخ فن الغناء. انجبت المدينة عملاق الأغنية الحديثة الفنان إبراهيم الكاشف الذي تحول من الغناء بالرِق إلى استخدام الآلات الموسيقية الحديثة كالعود والكمان. وكانت للكاشفت ذاكرة حديدية في حفظ كلمات أغانيه ورغم أنه لم يكن يجيد القراءة أو العزف على آلة العود، إلا أنه اثرى مكتبة الإذاعة بروائع فنه، اكتشف الأساتذة الكوريين بكلية الموسيقى عبقرية الكاشف فقاموا بتوزيع ألحانه بصورة حديثة اظهرتها بشكل أثار الإعجاب وأعادت اكتشاف عبقريته من جديد. اعتمد الكثير من الفنانين الشباب على ترديد أغاني الكاشف، فتفتحت لهم أبواب الشهرة والمجد والثراء الفنان عاش ومات لا يملك من المال الا ما يسد الرمق، حتى أن بعضهم اطلق عليه الصحافيون في سخرية لا تخفى على احد لقب (فناني المراحيم). تطول القائمة فهناك عمر احمد الذي توفى وهو شاب قبل حوالي ست عقود وتكاد اسرته تفقد ملامحه، وهناك ايضاً الكثيرين محجوب عثمان، الخير عثمان، رمضان حسن، محمد الأمين، ابو عركي البخيت، عبد العزيز المبارك، محمد مسكين، ثنائي الجزيرة، محمد سلام، عمر جعفر، فتاح السقيد، صديق سرحان، صديق متولي، والمعذرة لمن لم تحضرني اسماؤهم الآن. هناك الفنانين الشباب الذين لا اتذكرهم جيداً وقد تمت اجازة أصواتهم وهم بالعشرات. هناك د. الفاتح حسين الذي برع في توزيع ألحان كبار المطربين ود. عبد الماجد خليفة. وهناك ايضاً شعراء الاغاني الذين اثروا وجداننا بروائع قصائدهم ومفرداتهم الجميلة. لماذا لا تكرم ولاية الجزيرة ممثلة في وزارة الثقافة والإعلام واتحاد الفنانين ومنظمات المجتمع المدني وابناء ود مدني بالداخل والخارج، هؤلاء العباقرة الذين وضعوا بصماتهم في تاريخ فن الغناء، وبعض هؤلاء قد انتقل الى الدار الآخرة، والبعض لا يزال يواصل مسيرته الفنية لقرابة نصف قرن وبعضهم لا يزال في بداية الطريق. ان ذاكرة القليل من الاحياء الذين عاصروا الكاشف والخير عثمان ومحجوب عثمان وعمر احمد ورمضان حسن.. الخ. لا تزال متقدة ولكنها حتماً ستضعف مع الزمن. لماذا لا نؤرخ لعمالقة الفن بود مدني ونحفظ لهم سيرتهم الذاتية ونحفظ لهم ابداعاتهم في فن الغناء في قاعة في مكان مناسب لهذا الغرض في احدى قاعات مسرح الجزيرة مثلاً؟ لماذا لا نفكر في إقامة (متحف الفن) لهؤلاء العمالقة؟ لماذا لا نفكر في تخصيص (أسبوع الإبداع) كل عام وإقامة حفلات التكريم لهم نُحي بها ذكرى الراحلين ونكرم بها الكوكبة النيرة التي لا زالت تواصل عطاءها، ونتيح للشباب منهم الفرص في هذا الأسبوع لتقديم اعمالهم وللتعريف بهم. قدمت مدينة ود مدني الابداع الفني ولا زالت تقدم المبدعين من قبيلة الفن. خرج من رحمها رائد الأغنية الحديثة الكاشف، والموسيقار العبقري محمد الأمين، هرم الاغنية السودانية صاحب الصوت المنفرد والأغاني الرسالية الهادفة ابو عركي البخيت. إن تخصيص اسبوع في العام لمهرجان الإبداع بود مدني فيه تكريم للفنانين وعرفاناً بابداعاتهم واثرائهم لوجدان الشعب السوداني واعطاء الفرصة للشباب من الفنانين لتقديم اعمالهم الجديدة. وهذه دعوة لوزارة الثقافة والإعلام واتحاد الفنانين وابناء ود مدني بالداخل والخارج لتكريم عباقرة الفن، وللاحتفاء بهذه الكوكبة المتفردة التي قدمت وما بخلت. فهل يستجيب هؤلاء لتلك الدعوة؟ نرجو ذلك ولكن الاستجابة سريعاً.