سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأمين العام لاتحاد الكُتَّاب السودانيين المحامي والشاعر كمال الجزولي في بوح خاص ل(الوطن):(1) أقراني من الأفذاذ.. وهنا.. كان يغني لنا كمال ترباس
الحي الذي نشأت فيه حي عجيب
أول قصيدة كتبتها كنت في العشرين.. ولن أبوح في من كتبتها
كاتب صحافي شهير، وشاعر، ومحامٍ، عرف بنشاطه الكثيف في مجالات حقوق الانسان، وناشط سياسي له اسهاماته الثرة في الساحة السياسية والادبية والقانونية في السودان. (الوطن) جلست اليه بمكتبه المكتظ بالكتب في شتى ألوان المعرفة بشارع الجمهورية، وعلى كوب من القهوة ادلى الاستاذ كمال الجزولي بافادته الشائقة حول نشأته وتكوين ملامح شخصيته وأثر ام درمان مدينة الثقافة عليه: *»أم درمان تأتي في قطار الثامنة» من أشهر قصائدك، توضح تأثير المدينة عليك. حدثنا عن نشأتك فيها، ومن رافقت في صباك؟ ترافقنا في طفولتنا الباكرة مع (اولاد) افذاذ اثبتت الايام ان لديهم مقدرات كبيرة وكان يمكن التنبؤ بها منذ ذلك الوقت، من بينهم مثلاً (كمال ترباس)، كنا في العاشرة من العمر، كان واضحاً انه يتميز بصوت رخيم حتى وهو طفل، وكان مغرماً بأغاني الحقيبة ويحفظها عن ظهر قلب، نشأنا وبيوتنا ليست بعيدة عن بعضها البعض، نحن في (حفرة كلدو) وهو الحي الذي يسمى حالياً بالشهداء شمال ويبدأ من المحطة الوسطى وينتهي عند بيت عبدالله خليل، وهو الى نواحي محطة مكي ود عروسة، كنا بعد ان نلهو في العصاري ونلعب (البلي) و(الدافوري) وعندما تغيب الشمس لانذهب الى بيوتنا مباشرة انما نجلس تحت (عمود) الكهرباء ويغني لنا ترباس، وكان القادمين من السوق بارجلهم او بدراجاتهم يتوقفون ليسمعوا هذا الغناء العذب، وكان ذلك الامر يثير فينا الفخر لان الاطفال في زماننا لم يكونوا ينالون اعتباراً كبيراً، كانو آخر من يأكل وآخر من يتم الاهتمام به في المناسبات سواء أكانت افراحاً او اتراحاً، نشأنا هكذا كما تنمو الاعشاب البرية، ولكن أن يأتي الكبار ويتوقفوا ليستمعوا لنا بطرب حقيقي، كانت مسألة تدعونا للفخر والاعتزاز بأننا نثير اعجاب الكبار. وبجانب ترباس كان هناك (الدحيش) وان كان حيهم بعيد قليلاً عنا هم في نواحي البحر، ولكن جمعتنا المرحلة الاولية والوسطى استاذنا اساعيل طه اشار في حوار صحافي معه لذلك الامر بان من تلاميذه كمال الجزولي والدحيش، كان يتميز بعبقرية فذه في لعبة كرة القدم ويفعل بكرة (الشراب) الاعاجيب، لذلك لم نندهش بانه عندما كبر قليلاً ابدى في منافسات الروابط الامدرمانية و(الليق) مقدرات فذة اهلته ليعلب في الهلال، الدحيش وترباس نموذجان لطفولتنا وصبانا الباكر، واعتز بانه مازالت علاقتنا مستمرة، ولكن كبرنا وكبرت مشاغلنا واحزاننا كما يقول ترباس، عندما نلتقي نستعيد هذه الذكريات. *من عاصرت وبمن تأثرت في حيكم؟ الحي الذي نشأت فيه حي عجيب، شمل او جمع عباقرة في شتى الاهتمامات ومناحي الحياة، كان فيه علي المك، وابراهيم انيس، واولاد العبادي، واحمد البشير العبادي نفسه، محمد عامر فوراوي، ومحمود حبشي، وعبده مصطفى، والممثل السميح، وكرومة، سرور، الامين برهان، وسعد ابو العلاء، واحمد محمد صالح، عبدالخالق محجوب، الشاعر حسن عوض ابوالعلا الذي كان يجلس في شباك غرفته على كرسيه المتحرك بوسامته وشبابه ومأساته، كنا نحييه امام شباكه ونحن عائدين من المدرسة ونتذكر اغنيه (سفري السبب لي ازايا) وتلك القصة المتداولة، انه في مصر وفي حمام سباحة اصابه الحادث الذي اودى به الى الكرسي المتحرك، كنا نربط دائماً بين شباكه وبين الشارع الذي تأتي به اسراب الحسان اول المساءات حيث كان النساء يذهبن للمجاملات في المساءات، كُن يحينه برؤوسهن، وربطنا كل ذلك باغنيته (ولى المساء) كنا نشاهد سيد خليفة واحمد المصطفى والعلاقة التي تربط بين ال عبدالمنعم وال ابوالعلا، وضم الحي ايضا د. فيصل محمد الكي، المرء يعجز عن الاحاطه بكل هذه القامات الكبيرة، وعندما تصل الى ناحية (ود ارو) تجد بيوت آل خالد ابو الروس والشهيد بابكر النور، وعبدالكريم ميرغني، ومولانا عبدالرحمن النور، ولى النور الجيرفاوي عموماً، وبيت ازرهري وحاجة كاشف، وخليل فرح، وحسن بدري، عبدالرحمن مختار، صلاح احمد الذي ابتدع تسمية حقيبه الفن. *لك تجربه شعرية كبيرة، متى بدأت تكتب الشعر؟ بدأت بمحبة للاناشيد المدرسية، كنت اندهش جداً للصياغات البديعة منذ انشودة (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع) والقوافي المتتابعة، والمقدرة على صياغة الصور الشعرية في اناشيد الكتاب، والصياغة الجغرافية نفسها في سبل كسب العيش في السودان، كانت تجذبني بشدة تلك الاناشيد والاهزوجات الدينية والتاريخية، وكنا نفرح بحصص المحفوظات حيث كنا نقوم بتلحين تلك الاناشيد، كانت من اعذب واجمل الحصص في مدرسة شيخ الطاهر الشبلي وبيت المال(أ)، حيث قضيت فيها السنتين الاخيرتين من الأولية، و تعرفت هنالك باصدقائي من بينهم الدحيش كما ذكرت سابقاً، شغفي بالاناشيد والاهازيج والاغاني في الراديوهات الضخمة كانت تعمل بحجارة البطارية الضخمة التي تشحن في الطاحونة آنذاك وحتى الآن لا ادري لماذا، كنت اندهش لهذه الاصوات الجميلة الكاشف واحمد المصطفى وعثمان حسين، وانظر من ظهر الردايو للثقوب المضاءة ب(لمبات) بحثا ًعن اصحاب الاصوات المنبعثة من الراديو كطفل صغير في السادسة، كنت مندهشاً من «الكلام» المموسق وتجذبني قوافيه، وكنت ايضاً اعجب بالقرآن وانا في الخلوة، عرفت فيما بعد عندما كبرت واطلعت على المرشد على فهم اشعار العرب من تأليف عبدالله الطيب لماذا كان مصدر اعجابي بالقرآن غير التعاليم الاخلاقية تجذبني اللغه العالية، كما قال عبدالله الطيب ليست بشعر ولكنها ليست ببعيدة عن بحور الشعر العربي، مستشهداً بآية في القرآن قال الله تعالى «ويخذلهم وينصركم عليهم ويشفي صدور قوم مؤمنين». رأى فيها عبدالله الطيب موسيقى وهي موسيقى اللغه العربية، ووجد ايضاً في كلام الرسول(صلى الله عليه وسلم) موسيقى اللغة العالية رغم انه ليس بشاعر وما ينبغي، مثلا قوله (انا النبي لا كذب، انا ابن عبدالمطلب، ما انتِ الا اصبع دميتي، وفي سبيل الله ما لقيتي)، كان يجذبني القرآن والحديث الشريف والاهازيج سواء أكانت دينية او تعليمية اخرى، وهنا بدأت علاقتي بالشعر، بدأت في نظمه في سن باكرة حوالي 13 سنه كتبت اول قصائدي. *فيمن كتبتها؟ لا تسأليني فيمن كتبتها فقد بلغت من السن بما لا يسمح بمثل هذا البوح، لو كنت ادرتِ هذا الحوار قبل عقدين من الزمن لكنت قلت لكِ، ولكنك اتيت متأخرة جداً. *متى بدأت علاقتك الجادة بكتابة الشعر؟ عندما كنت في العشرين من عمري بدأت علاقتي الجادة، وكانت قصائدي بعنوان (ام درمان تأتي في قطار الثامنة)، كانت ام درمان بالنسبة لي قصيدة عذبه جداً احبها بهذا الشكل، كتبت فيها شعراً كثيراً ومعظمه صور موجودة فضلي لا يزيد عن اعادة صياغتها، كالقصيدة التي اهديتها ل(علي المك) عن (المجاذيم) خلف سور الجامع الكبير «اعتقد الآن تم اجلاءهم من هذا المكان»، كنا نأتي من السينما مارين بهم الى بيوتنا ونعبرهم ونرى كم من الظلم واقع عليهم كنا نتعاطف معهم، والترام والبصات والحوليات والبيوت الافراح والموالد والزفة التي تسبق رمضان والعيد والمولد وتبعها مسافات طويلة جداً، مواسم يأتي فيها الجراد وحشرة (الكدندارة) الملونة كنا نتنافس في جمع اكبر عدد منها.