[email protected] يعد عام 1954 هو عام بداية الممارسة الديمقراطية في البلاد حيث تألفت خلال هذا التاريخ وحتى نوفمبر 1958حكومة أغلبية برلمانية أجرة ثلاثة تعديلات وزارية أعقبتها حكومة إئتلافية لمدة ستة عشر شهراً، وقبل أن يبلغ الاستقلال عامه الثالث وتكمل الديمقراطية عامها الرابع .. وفي صباح يوم 17نوفمبر 1958وهو اليوم المحدد لإنعقاد البرلمان الثاني في دورته الجديدة والتي كان أهم بند في جدول اعمالها «طرح الثقة لحكومة عبد الله خليل « فاجأ الفريق ابراهيم عبود بعض الساحة السياسية ببيانه «رقم 1» معلناً إستيلاء القوات المسلحة على الحكم وتعطيل الدستور وحل البرلمان ومجلس الوزراء ومنع التظاهرات والتجمعات .. وقال كما يقول كل الإنقلابيين «إن الجيش تدخل بعد أن ساءت الأحوال وتدهورت الأمور وأوشكت البلاد على الإنحدار إلى هوة لا يعلم مداها إلا الله «وهي ما اصطلح على تسميتها بحكومة نوفمبر والتي هي في حقيقة الأمر «حكومة السيدين» علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي زعماء طائفتي الختمية والأنصار كما هي حكومة تسليم وتسلم بين الفريق ابراهيم عبود ورئيس الوزراء عبدالله خليل أمين عام حزب الأمة الذي استجاب لمؤامرة السيدين اللذان حشدا النواب لإسقاط حكومة الأزهري الاولى متجاوزين مابينهما من مرارات تاريخية واصدرا بياناً مشتركاً ذكرا فيه بإلتزامهما الوقوف متكاتفين في كل ما يعود على الأمة السودانية بالخير والسعادة والحرية والديمقراطية، وطالبا بقيام حكومة قومية بديلا لحكومة الحزب الوطني الإتحادي ورغم ما توصل إليه المكتب السياسي للحزب الوطني الاتحادي أن دعوة الحكومة القومية التي طالب بها السيدين إنما هي دعوة قصد منها وقف المد الشعبي المساند للأزهري وحزبه ,ولكن كان من رأي الأزهري أنه مادم قد حدث إجماع داخل البرلمان أدى إلى إعلان الاستقلال في أول يناير 1956 فأنه يتمسك بهذه الصيغة على أساس أن مرحلة التخطيط والتعمير والبناء بعد مرحلة الجلاء والإستقلال تقتضي حشد الجهود والإرادة الموحدة لهذه الغاية ، وكان هذا قمة التفكير الوطني ولكن قيادة الوطني الاتحادي لم تكن وقتها تدري ما يدور في الخفاء وبرز ذلك بوضوح بعد ظاهرة افتعال الخلافات والأزمات وسارت الأمور عكس المبررات والتفسيرات التي طرحت كضرورة لقيام الحكومة القومية، بل انهم تركوا كل ما هو واجب الحكومة وإنشغلوا بالقضاء على الأزهري، حيث بلغ ذلك أشده حينما طرحت الثقة في حكومة الأزهري فسقطت حكومة الأزهري المنتخبة بأغلبية 60 صوتاً مقابل 31صوتاً ليكون بعدها أمين حزب الأمة ونائب دائرة أم كدادة عبدالله بك خليل حكومة إئتلافية بين حزب الأمة والشعب الديمقراطي والأحرار الجنوبيين متفق عليها مسبقاً بين السيدين ، وكانت هذه أكبر جريمة في تاريخ السودان في تلك الفترة ، حيث خرقوا قواعد الممارسة الديمقراطية وقلبوا موازينها باستخدام المال ومختلف الإغراءات ليولد في رحم هذه الممارسة العرجاء وغير الديمقراطية «حزب الشعب الديمقراطي» بعد أن ضم إليه النواب الذين إنسلخوا عن الحزب الوطني الإتحادي، على العموم أثبتت الايام والتجارب أن التدهور والتخبط الذي ضرب الحياة السياسية السودانية عقب تلك الفترة وإلى الآن معظمه كنتاج طبيعي لوأد تلك التجربة الديمقراطية الوليدة في مهدها ، وفي مغالطة واضحة للتاريخ ولي عنق الحقيقة ظل السيد الامام الصادق المهدي ينفي صلة حزب الأمة و السيد عبد الرحمن المهدي بهذه «الحركة المباركة»، كما سمياها في بينهما المشترك ///وعروفة/// هي العلاقة بين الفريق ابراهيم عبود والسيد عبد الرحمن المهدي، وكذلك علاقته بنائبه القوي اللوء أحمد عبد الوهاب ، ودليل آخر هو تكوين قيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة من قيادة الوحدات النائية التي استدعى بعضها من الجنوب دون أن يضم قيادات لها الأقدمية لأن تلك القيادات رغم انضباطها العسكري لا تخفى تقديرها لاسماعيل الازهري ، فكان الإكتفاء بتعيينهم كحكام عسكريين في مناطقهم.. وهذه بدورها أدت لاحقاً إلى تململ وسط الجيش مما أدى ذلك للعديد من المحاولات الانقلابية أشهرها إنقلاب البكباشي علي حامد الذي تم القبض عليه وعلى زملائه الشباب عند ساعة الصفر وتم اعدامهم عدا المدني الوحيد الرشيد الطاهرالذي وجد البيان بحوزته حكم عليه بخمس سنوات بعد محاكمة مفتوحة سمح لهم بمحامين كما سمح لأهلهم بحضور جلسات المحاكمة وللصحافة بتغطيتها ، ولم يجدي ذلك مع الشعب السوداني الذي يرفض التصفيات السياسية حسب تكوينه الفطري السليم ، على العموم لم يوقف ذلك المحاولات الاخرى ، حيث وقعت محاولة الاميرلاي عبد الرحيم شنان، والاميرلاي محيى الدين احمد عبدالله واللذان صحبا محولتهما فيلم تراجيدي انتهى بمشاركتهم في مجلس الثورة بعد تعديله برئاسة الفريق عبود نفسه وأصبحوا تبعاً لذلك وزراء في الحكومة في مارس 1955 . على العموم كما يقول الشريف زين العابدين الهندي : إن الحكم العسكري لن يجدي نفعاً في السودان وإن طال مداه لأنه يخالف في مناقضة حادة طبيعة الفرد السوداني .. فهو يحس به سجناً وقفصاً ضيقاً وجهلاً مسلحاً .. وإن أقام له مصانع ومشاريع وإن تودد إليه بمجالس ونيابات .... نواصل المراجع/ بتصرف ٭ صناعة الحكومات في السودان 1954-1956 محمد سعيد محمد الحسن ٭ آخر الكلم / الشريف زين العابدين الهندي ٭ مذكرات عبد الماجد ابو حسبو ٭ مذكرات خضر حمد