يعرض المسرح القومي بأمدرمان، منذ ثالث أيام عيد الأضحى، مسرحية (سكينة جاتكم) للمؤلف والمخرج المسرحي حسبو محمد عبد الله، وتمثيل نخبة من شباب الحركة المسرحية، وذلك في إطار الموسم المسرحي الرسمي. من الواضح أن مخرج ومؤلف العرض كان يطمح لعرض جماهيري وتجاري خفيف الظل بلا إغراق في التغريب أو نزعات تجريب، لذلك شحن المسرحية بهموم وقضايا الواقع اليومي المعاش حتى يتفاعل معه الجمهور. استقطاب الجمهور من جهةٍ أخرى، فإن عرض مسرحية (سكينة جاتكم)، يستجيب لدعوة وزارة الثقافة بتكثيف العروض واستمرارية الموسم المسرحي، بغرض جذب الجمهور الذي خاصم خشبة المسرح القومي بأمدرمان لسنواتٍ طويلة. ولكن العرض لم يفلح في جذب الجمهور، ولم يقدم عرضاً مميزاً حتى يستجيب الجمهور لنداء المشاهدة الممتعة. ؛؛؛ العرض يستجيب لدعوة وزارة الثقافة بتكثيف العروض واستمرارية الموسم المسرحي، بغرض جذب الجمهور الذي خاصم خشبة المسرح القومي بأمدرمان لسنواتٍ طويلة ؛؛؛ العرض يتابع تطور شخصية سكينة، وهي الشخصية المحورية في المسرحية، التي بدأت متواضعة، وكانت تبحث عن مأوى حتى خلف قضبان الحراسة! تفتعل سكينة مشكلة حتى يُزجُّ بها في الحراسة هي وابنتها. ومن هنا تتطور الأحداث، فتحاول المرأة التقرُّب من عسكري الحراسة موهمة إياه بالزواج، ومن ثمَّ تواصل حيلها عبر سلسلة متصلة من اقتناص الفرص لتصير امرأة قوية ومُهابة وسيدة أعمال مرموقة وذات ثراء وغنى يزداد كل يوم. الكم والنوع كذلك تُشير المسرحية لمؤشرات التفسخ الاجتماعي والأخلاقي، وتعكس الوضع الاقصادي العصيب للمواطن الذي يدفعه لوضع نفسه بالحراسة هروباً من معاناة شظف وقيظ الخارج، كما تتعرض المسرحية لمظاهر التلاعب في الأراضي والعقارات المهملة وعمليات التزوير للاستيلاء على أملاك الآخرين، وأيضا تنتقد الغناء الهابط من خلاف فرض سكينة ابنتها على ملحن وفنان معروف، حتى يجعل منها فنانة مرموقة. هذه هي حدوتة العرض بإيجازٍ غير مُخل. لكن ثمة ملاحظات عابرة على مجمل المسرحية وعلى السياق الذي عُرضت فيه. هذه الملاحظات نبدأها بفحص مقولة "تكثيف العروض على خشبة المسرح القومي لاستقطاب الجمهور"، التي تروِّج لها وزارة الثقافة. إذ ليس صحيحاً حشد الموسم المسرحي، بأيِّ عروض مسرحية، مهما كان مستواها الفني، حتى تُساهم في عودة جمهور المسرح إليه. هذه المقولة تستهدف (الكم) غض الطرف عن (النوع)، وفي هذا استسهال وخفة غير لائقة بالعمل الفني الذي يحتاج إلى عمليات خلق فنية تحتاج الإستواء على نارٍ هادئة. ؛؛؛ المسرحية أشارت لمؤشرات التفسخ الاجتماعي والأخلاقي، وتعكس الوضع الاقصادي العصيب للمواطن الذي يدفعه لوضع نفسه بالحراسة هروباً من معاناة شظف وقيظ الخارج ؛؛؛ فشل الاستقطاب ويبدو أن فكرة (تكثيف العروض) التي ترِّوج لها الوزارة ستجلب عليها الكثير من السخط والنقد، بدل أن تستقطب وتجلب الجمهور إلى المسرح القومي والشواهد على ذلك كثيرة. فهناك عشرات العروض المسرحية التي عُرضت على خشبة المسرح خلال العام الجاري والعامين السابقين، وفشلت تماماً في استقطاب الجمهور المزعوم إلى المسرح، اللهم إلاّ أعداد متواضعة لا تتجاوز ال 20 أو ال 30 نفراً وأغلبهم من أهل المسرح وأفراد أسرهم. بعد هذه المقدمة الموجزة المتعلقة بالموسم المسرحي وما تريد له الوزارة أن يكون عليه، ندلف إلى عتبة عرض مسرحية (سكينة جاتكم) التي يتضح من القصة أعلاه، أنها عرض غير مغامر أو خلّاق. فهو عرض يتوسل إلى جمهور افتراضي بقصة تحاكي الواقع المعاش حتى تخطب ود جمهور افتراضي ما. وفي أحيانٍ كثيرة، فإن الواقع يتجاوزها بمراحل، بما يمتلك يكتنفه من غموض وحيوية وإرباك. قدرات أدائية معطلة القصة من بدايتها وحتى نهايتها، كانت قصة مكشوفة، وتسير بوتيرة رتيبة لا تقدم جديداً، لا مستوى النص ولا الأداء ولا حتى الإخراج. على الرغم من الممثلة انتصار محجوب (في دور سكينة) تمتلك قدرات أدائية مميزة، إلاَّ أنها في كثيرٍ من المشاهد، كانت تفتعل التمثيل افتعالاً، وفي أحيان كثيرة، كانت تبالغ في الأداء، الأمر الذي انعكس سلباً على الدور. أما الفنان محمد المجتبى موسى (في دور رقيب الشرطة)، فهو صاحب قدرات أدائية رفيعة، إلا أن حدود الدور المرسوم له، لم يسمح له بإخراج قدراته. على الرغم من ذلك كان من الممكن لمجتبى اجتراح الكثير، في حدود الدور الضيِّقة، حتى يضع بصمته التمثيلية في هذه المسرحية. تنوعت أدوار وقدرات بقية الممثلين في العرض، ففي حين أبرز محمد صالحين (في دور مفهمة) أداءً مميزاً، استطاع عادل علي الحسن مالك (في دور السكران) أن يقدم شخصية كوميدية مميزة، فيما لم يكن أداء كلٍّ من ياسر القاسم وعائشة بليلة موفقاً فيما قدموه خلال العرض.